وكما سأل المشركون النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنزال الملائكة أو إراءة ربهم تعالى وتقدس قال تعالى: " وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوا كبيرا " (الفرقان: 21) وقال تعالى: " وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشى في الأسواق لولا انزل إليه ملك فيكون معه نذيرا، أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا، انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا " (الفرقان:
9) إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة.
وليس ذلك كله إلا لان عنوان نزول الآية هو ظهور الحق وتمام الحجة فإذا نزلت فقد ظهر الحق وتمت الحجة فلو أعيد سؤال نزول الآية وقد نزلت وحصل الغرض فلا عنوان له إلا العبث بآيات الله واللعب بالمقام الربوبي والتذبذب في القبول، وفيه أعظم العتو والاستكبار.
وهذا لو صدر عن المؤمنين لكان الذنب فيه أكثف والاثم فيه أعظم فماذا يصنع المؤمن بنزول الآية السماوية وهو مؤمن وخاصة إذا كان ممن شاهد آيات الله فآمن عن مشاهدتها؟ وهل هو إلا أشبه شئ بما يقترحه أرباب الهوى والمترفون في مجالس الانس وحفل التفكه من المشعوذين أو أصحاب الرياضات العجيبة أن يطيبوا عيشهم بإتحافهم بأعجب ما يقدرون عليه من الشعبذة والأعمال الغريبة.
والذي يفيده ظاهر قوله تعالى: " إذ قال الحواريون يا عيسى بن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة " أنهم اقترحوا على المسيح عليه السلام أن يريهم آية خاصة وهم حواريوه المختصون به وقد رأوا تلك الآيات الباهرة والكرامات الظاهرة فإنه (ع) لم يرسل إلى قومه إلا بالآيات المعجزة كما يعطيه قوله تعالى: " ورسولا إلى بني إسرائيل أنى قد جئتكم بآية من ربكم أنى أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله، الخ " (آل عمران: 49).
وكيف يتصور في من آمن بالمسيح (ع) أن لا يعثر منه على آية وهو (ع) بنفس وجوده آية خلقه الله من غير أب وأيده بروح القدس يكلم الناس في المهد وكهلا ولم يزل مكرما بآية بعد آية حتى رفعه الله إليه وختم أمره بأعجب آية.