(بيان) الآيات تذكر قصة نزول المائدة على المسيح عليه السلام وأصحابه، وهى وإن لم تصرح بأن الله أنزلها عليهم غير أن الآية الأخيرة تتضمن الوعد المنجز منه بإنزالها من غير تقييد وقد وصف تعالى نفسه بأنه لا يخلف الميعاد.
وقول بعضهم: (إنهم استقالوا عيسى عليه السلام بعد ما سمعوا الوعيد الشديد من الله تعالى لمن يكفر منهم بعد نزول المائدة) قول من غير دليل من كتاب أو حديث يعتمد عليه.
وقد نقل ذلك عن جمع من المفسرين، وممن يذكر منهم: المجاهد والحسن، ولا حجة في قولهما ولا قول غيرهما ولو عد قولهما رواية كانت من الموقوفات التي لا حجية لها لضعفها على أنها معارضة بغيرها من الروايات الدالة على نزولها، على أنها لو صحت لم تكن إلا من الآحاد التي لا يعتمد عليها في غير الاحكام.
وربما يستدل على عدم نزولها بأن النصارى لا يعرفونها وكتبهم المقدسة خالية عن حديثها، ولو كانت نازلة لتوفرت الدواعي على ذكره في كتبهم وحفظه فيما بينهم بسيرة مستمرة كما تحفظوا على العشاء الرباني لكن الخبير بتاريخ شيوع النصرانية وظهور الأناجيل لا يعبأ بأمثال هذه الأقاويل فلا كتبهم مكتوبة محفوظة على التواتر إلى زمن عيسى عليه السلام، ولا هذه النصرانية الحاضرة تتصل بزمنه حتى ينتفع بها فيها يعتورونه يدا بيد، أو فيمالا يعرفونه مما ينسب إلى الدعوة العيسوية أو يتعلق بها.
نعم وقع في بعض الأناجيل إطعام المسيح تلاميذه وجماعة من الناس بالخبز والسمك القليلين على طريق الاعجاز، غير أن القصة لا تنطبق على ما قصه القرآن في شئ من خصوصياته، ورد في إنجيل يوحنا، الأصحاح السادس ما هذا نصه:
(1) " بعد هذا مضى يسوع إلى عبر بحر الجليل وهو بحر طبرية (2) وتبعه جمع كثير لانهم أبصروا آياته التي كان يصنعها في المرضى (3) فصعد يسوع إلى جبل وجلس هناك مع تلاميذه (4) وكان الفصح عند اليهود قريبا (5) فرفع يسوع عينيه ونظر أن جمعا كثيرا مقبل إليه فقال لفيلبس من أين نبتاع خبزا ليأكل هؤلاء (6) وإنما قال هذا ليمتحنه لأنه هو علم ما هو مزمع أن يفعل (7) أجابه فيلبس لا يكفيهم خبز بمأتي دينار