(45 - 50).
والتأمل في سياق الآيات يوضح الوجه في عد ما ذكره من الآيات المختصة ظاهرا بالمسيح نعمة عليه وعلى والدته جميعا كما تشعر به آيات آل عمران فإن البشارة إنما تكون بنعمة، والامر على ذلك فإن ما اختص به المسيح عليه السلام من آية وموهبة كالولادة من غير أب والتأييد بروح القدس وخلق الطير وإبراء الاكمه والأبرص وإحياء الموتى بإذن الله سبحانه فهى بعينها كرامة لمريم كما أنها كرامة لعيسى عليهما السلام فهما معا منعمان بالنعمة الإلهية كما قال تعالى: " نعمتي التي أنعمت عليك وعلى والدتك ".
وإلى ذلك يشير تعالى بقوله: " وجعلناها وابنها آية للعالمين " (الأنبياء: 91) حيث عدهما معا آية واحدة لا آيتين.
وقوله: " إذ أيدتك بروح القدس تكلم الناس " الظاهر أن التأييد بروح القدس هو السبب المهيئ له لتكليم الناس في المهد، ولذلك وصل قوله " تكلم الناس " من غير أن يفصله بالعطف إلى الجملة السابقة إشعارا بأن التأييد والتكليم معا أمر واحد مؤلف من سبب ومسبب، واكتفى في موارد من كلامه بذكر أحد الامرين عن الاخر كقوله في آيات آل عمران المنقولة آنفا: " وتكلم الناس في المهد وكهلا "، وقوله: " وآتينا عيسى بن مريم البينات وأيدناه بروح القدس " (البقرة: 253).
على أنه لو كان المراد بتأييده بروح القدس مسألة الوحي بوساطة الروح لم يختص بعيسى بن مريم عليه السلام وشاركه فيها سائر الرسل مع أن الآية تأبى ذلك بسياقها.
وقوله: " وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل " من الممكن أن يستفاد منه أنه عليه السلام إنما تلقى علم ذلك كله بتلق واحد عن أمر إلهي واحد من غير تدريج وتعدد كما أنه أيضا ظاهر جمع الجميع وتصديرها بإذ من غير تكرار لها.
وكذلك قوله: " إذ تخلق من الطين كهيئة الطير فتنفخ فيه فيكون طيرا بإذني وتبرء الاكمه والأبرص بإذني " ظاهر السياق من جهة عدم تكرار لفظة " إذ " أن خلق الطير وإبراء الاكمه والأبرص كانا متقارنين زمانا، وأن تذييل خلق الطير بذكر الاذن من غير أن يكتفى بالاذن المذكور في آخر الجملة إنما هو لعظمة أمر الخلق بإفاضة