قوله تعالى وما جعله الله إلا بشرى لكم الضمير راجع إلى الامداد ولفظة عند ظرف يفيد معنى الحضور وقد كان أولا مستعملا في القرب والحضور المكاني المختص بالأجسام ثم توسع فاستعمل في القرب الزماني ثم في مطلق القرب والحضور المعنوي كيفما كان وقد استعمل في القرآن في مختلف الفنون.
والذي يفيده في هذا المقام أعني قوله وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم بالنظر إلى ما سبقه من قوله وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به هو المقام الربوبي الذي ينتهى إليه كل أمر وحكم ولا يكفي عنه ولا يستقل دونه شئ من الأسباب فالمعنى أن الملائكة الممدين ليس لهم من أمر النصر شئ بل هم أسباب ظاهرية يجلبون لكم البشرى وطمأنينة القلب وإنما حقيقة النصر من الله سبحانه لا يغنى عنه شئ وهو الله الذي ينتهى إليه كل أمر العزيز الذي لا يغلب الحكيم الذي لا يجهل.
قوله تعالى ليقطع طرفا من الذين كفروا أو يكبتهم إلى آخر الآيات اللام متعلق بقوله ولقد نصركم الله وقطع الطرف كناية عن تقليل عدتهم وتضعيف قوتهم بالقتل والأسر كما وقع يوم بدر فقتل من المشركين سبعون واسر سبعون والكبت هو الاخزاء والإغاظة.
وقوله ليس لك من الامر شئ معترضة وفائدتها بيان أن الامر في القطع والكبت لله وليس للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فيه صنع حتى يمدحوه ويستحسنوا تدبيره إذا ظفروا على عدوهم ونالوا منه ويلوموه ويوبخوه إذا دارت الدائرة عليهم ويهنوا ويحزنوا كما كان ذلك منهم يوم أحد على ما حكاه الله تعالى.
وقوله أو يتوب عليهم معطوف على قوله يقطع والكلام متصل وقوله ولله ما في السماوات وما في الأرض بيان لرجوع أمر التوبة والمغفرة إلى الله تعالى والمعنى أن هذا التدبير المتقن منه تعالى إنما هو ليقطع طرفا من المشركين بالقتل والأسر أو ليخزيهم ويخيبهم في سعيهم أو ليتوب عليهم أو ليعذبهم أما القطع والكبت فلان الامر إليه لا إليك حتى تمدح أو تذم وأما التوبة والعذاب فلان الله هو المالك لكل شئ فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ومع ذلك فإن مغفرته ورحمته تسبقان عذابه وغضبه فهو الغفور الرحيم.