وقوله أعدت للمتقين كالتوطئة لذكر ما يذكره بعد من أوصاف المتقين فإن الغرض هو بيان الأوصاف التي ترتبط بحال المؤمنين في المقام أعني عند نزول هذه الآيات وقد نزلت بعد غزوة أحد وقد جرى عليهم ومنهم ما جرى من الضعف والوهن والمخالفة وهم مع ذلك مشرفون على غزوات أخر مثلها وحوادث تشابهها وبهم حاجة إلى الاتحاد والاتفاق والتلائم قوله تعالى الذين ينفقون في السراء والضراء إلى آخر الآية السراء والضراء ما يسر الانسان وما يسوؤه أو اليسر والعسر والكظم في الأصل هو شد رأس القربة بعد ملئها فاستعير للانسان إذا امتلا حزنا أو غضبا والغيظ هيجان الطبع للانتقام بمشاهدة كثرة ما لا يرتضيه بخلاف الغضب فهو إرادة الانتقام أو المجازاة ولذلك يقال غضب الله ولا يقال اغتاظ.
وفي قوله والله يحب المحسنين إشارة إلى أن ما ذكره من الأوصاف معرف لهم وإنما هو معرف للمحسنين في جنب الناس بالاحسان إليهم وأما في جنب الله فمعرفهم ما في قوله تعالى وبشرى للمحسنين إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون الآيات: الأحقاف - 13 بل هذا الاحسان المذكور في هذه الآيات هو المحتد للمذكور في قوله الذين ينفقون في السراء والضراء الآية فإن الانفاق ونحوه إذا لم يكن لوجه الله لم يكن له منزلة عند الله سبحانه على ما يدل عليه قوله تعالى فيما سبق من الآيات مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا الآية وغيره.
ويدل على ما ذكرناه قوله تعالى والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين: العنكبوت - 69 فإن هذا الجهاد هو بذل الجهد ولا يكون إلا فيما يخالف هوى النفس ومقتضى الطبع ولا يكون إلا إذا كان عندهم ايمان بأمور يقتضى الجري على مقتضاها والثبات عليها مقاومة بإزاء ما يحبه طبع الانسان ويشتهيه نفسه ولازمه بحسب القول والاعتقاد أن يكونوا قائلين ربنا الله وهم مستقيمون عليه وبحسب العمل أن يقيموا هذا القول بالجهاد في عبادة الله فيما بينهم وبين الله وبالانفاق وحسن العشرة فيما بينهم وبين الناس فتحصل مما ذكرنا أن الاحسان إتيان الأعمال على وجه الحسن من جهة الاستقامة والثبات على الايمان بالله سبحانه.
قوله تعالى الذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم إلى قوله ونعم