مدار الايمان والكفر اللذين هما أمران اختياريان لهم وهذا من لطائف الحقائق القرآنية التي تنشعب منها كثير من أسرار التوحيد ويدل عليها قوله تعالى ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات: البقرة - 148 إذا انضم إلى قوله ولكن ليبلوكم فيما آتاكم فاستبقوا الخيرات: المائدة - 48 وسيجئ إشباع الكلام فيها في قوله تعالى ليميز الله الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض الآية: الأنفال - 37 وثالثا أن الايمان بالله ورسله مادة لطيب الحياة وهو طيب الذات وأما الاجر فيتوقف على التقوى والعمل الصالح ولذلك ذكر تعالى أولا حديث الميز بين الطيب والخبيث ثم فرع عليه قوله فآمنوا بالله ورسله ثم لما أراد ذكر الاجر أضاف التقوى إلى الايمان فقال وإن تؤمنوا وتتقوا فلكم أجر عظيم.
وبذلك يتبين في قوله تعالى من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون: النحل - 97 أن الاحياء المذكور ثمرة الايمان متفرع عليه والجزاء بالاجر متفرع على العمل الصالح فالايمان روح الحياة الطيبة وأما بقاؤها حتى يترتب عليها آثارها فيحتاج إلى العمل الصالح كالحياة الطبيعية التي تحتاج في تكونها وتحققها إلى روح حيواني وبقاؤها يحتاج إلى استعمال القوى والأعضاء ولو سكنت الجميع بطلت وأبطلت الحياة.
وقد كرر لفظ الجلالة مرات في الآية والثلاثة الأواخر من وضع الظاهر موضع المضمر وليس إلا للدلالة على مصدر الجلال والجمال في أمور لا يتصف بها إلا هو بألوهيته وهو الامتحان والاطلاع على الغيب واجتباء الرسل وأهلية الايمان به.
قوله تعالى ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله الآية لما بين حال إملاء الكافرين وكان الحال في البخل بالمال وعدم إنفاقه في سبيل الله مثله فإن البخيل فرح فخور بما يجمعه من المال عطف تعالى الكلام إليهم وبين أنه شر لهم وفي التعبير عن المال بقوله بما آتاهم الله من فضله إشعار بوجه لومهم وذمهم وقوله سيطوقون إلخ في مقام التعليل لكون البخل شرا لهم وقوله ولله ميراث السماوات الظاهر أنه حال من يوم القيامة وكذا قوله والله بما تعملون خبير.