" آل عمران - 90 " ويمكن أن يكون من هذا الباب قوله تعالى إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا " النساء - 137 " ومن عجيب ما قيل في هذا الباب قول بعضهم في قوله تعالى في قصة غرق فرعون وتوبته حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين: يونس - 91.
قال ما محصله ان الآية لا تدل على رد توبته وليس في القرآن أيضا ما يدل على هلاكه الأبدي وانه من المستبعد عند من يتأمل سعة رحمة الله وسبقتها غضبه أن يجوز عليه تعالى أنه يرد من التجأ إلى باب رحمته وكرامته متذللا مستكينا بالخيبة واليأس والواحد منا إذا أخذ بالأخلاق الانسانية الفطرية من الكرم والجود والرحمة ليرحم أمثال هذا الانسان النادم حقيقة على ما قدم من سوء الفعال فكيف بمن هو أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين وغياث المستغيثين.
وهو مدفوع بقوله تعالى وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا جاء أحدهم الموت قال إني تبت الآن الآية وقد تقدم أن الندامة حينئذ ندم كاذب يسوق الانسان إلى إظهاره مشاهدته وبال الذنب ونزول البلاء.
ولو كان كل ندم توبة وكل توبة مقبولة لدفع ذلك قوله تعالى حكاية لحال المجرمين يوم القيامة وأسروا الندامة لما رأوا العذاب: سبأ - 33 إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة الحاكية لندمهم على ما فعلوا وسؤالهم الرجوع إلى الدنيا ليعملوا صالحا والرد عليهم بأنهم لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون.
وإياك أن تتوهم أن الذي سلكه القرآن الكريم من تحليل التوبة على ما تقدم توضيحه تحليل ذهني لا عبرة به في سوق الحقائق وذلك أن البحث في باب السعادة والشقاء والصلاح والطلاح الانسانيين لا ينتج غير ذلك فإنا إذا اعتبرنا حال الانسان العادي في المجتمع على ما نراه من تأثير التعليم والتربية في الانسان وجدناه خاليا في نفسه عن الصلاح والطلاح الاجتماعيين قابلا للامرين جميعا ثم إذا أراد أن يتحلى بحلية الصلاح ويتلبس بلباس التقوى الاجتماعي لم يمكن له ذلك إلا بتوافق الأسباب على خروجه من