وهو توبته إليه في أصل السعادة وهو الايمان وفي كل سعادة فرعية وهي كل عمل صالح أعني التوبة و الرجوع عن أصل الشقاء وهو الشرك بالله سبحانه وعن فروعات الشقاء وهي سيئات الأعمال بعد الشرك فالتوبة بمعنى الرجوع إلى الله والانخلاع عن ألواث البعد والشقاء يتوقف عليها الاستقرار في دار الكرامة بالايمان والتنعم بأقسام نعم الطاعات والقربات وبعبارة أخرى يتوقف القرب من الله ودار كرامته على التوبة من الشرك ومن كل معصية قال تعالى وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون:
النور - 31 فالتوبة بمعنى الرجوع إلى الله تعم التوبتين جميعا بل تعمهما وغيرهما على ما سيجئ إن شاء الله.
ثم إن الانسان لما كان فقيرا في نفسه لا يملك لنفسه خيرا ولا سعادة قط إلا بربه كان محتاجا في هذا الرجوع أيضا إلى عناية من ربه بأمره وإعانة منه له في شأنه فيحتاج رجوعه إلى ربه بالعبودية والمسكنة إلى رجوع من ربه إليه بالتوفيق والإعانة وهو توبة الله سبحانه لعبده المتقدمة على توبة العبد إلى ربه كما قال تعالى ثم تاب عليهم ليتوبوا: التوبة - 118 وكذلك الرجوع إلى الله سبحانه يحتاج إلى قبوله بمغفرة الذنوب وتطهيره من القذارات وألواث البعد وهذه هي التوبة الثانية من الله سبحانه المتأخرة عن توبة العبد إلى ربه كما قال تعالى فأولئك يتوب الله عليهم الآية.
وإذا تأملت حق التأمل وجدت أن التعدد في توبة الله سبحانه إنما عرض لها من حيث قياسها إلى توبة العبد وإلا فهي توبة واحدة هي رجوع الله سبحانه إلى عبده بالرحمة ويكون ذلك عند توبة العبد رجوعا إليه قبلها وبعدها وربما كان مع عدم توبة من العبد كما تقدم استفادة ذلك من قوله ولا الذين يموتون وهم كفار وأن قبول الشفاعة في حق العبد المذنب يوم القيامة من مصاديق التوبة ومن هذا الباب قوله تعالى والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما (1).
وكذلك القرب والبعد لما كانا نسبيين أمكن أن يتحقق البعد في مقام القرب بنسبة بعض مواقفه ومراحله إلى بعض ويصدق حينئذ معنى التوبة على رجوع بعض المقربين من عباد الله الصالحين من موقفه الذي هو فيه إلى موقف أرفع منه وأقرب إلى ربه كما يشهد به ما يحكيه تعالى من توبة الأنبياء وهم معصومون بنص كلامه كقوله تعالى فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه: البقرة - 37 وقوله تعالى وإذ يرفع