مخالفة الامر الإلهي بمجرد لفظ يردده ألسنتهم أو خطور يخطر ببالهم في آخر الامر.
ومن هنا يظهر معنى تقييد قوله قال إني تبت بقوله الآن فإنه يفيد أن حضور الموت ومشاهدة هذا القائل سلطان الآخرة هما الموجبان له أن يقول تبت سواء ذكره أو لم يذكره فالمعنى إني تائب لما شاهدت الموت الحق والجزاء الحق وقد قال تعالى في نظيره حاكيا عن المجرمين يوم القيامة ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون: السجدة - 12.
فهذه توبة لا تقبل من صاحبها لان اليأس من الحياة الدنيا وهول المطلع هما اللذان أجبراه على أن يندم على فعله ويعزم على الرجوع إلى ربه ولات حين رجوع حيث لا حياة دنيوية ولا خيرة عملية.
قوله تعالى ولا الذين يموتون وهم كفار هذا مصداق آخر لعدم قبول التوبة وهو الانسان يتمادى في الكفر ثم يموت وهو كافر فإن الله لا يتوب عليه فان إيمانه وهو توبته لا ينفعه يومئذ وقد تكرر في القرآن الكريم أن الكفر لا نجاة معه بعد الموت وأنهم لا يجابون وإن سألوا قال تعالى إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون: البقرة - 162 وقال تعالى إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملؤ الأرض ذهبا ولو افتدى به أولئك لهم عذاب أليم وما لهم من ناصرين: آل عمران - 91 ونفى الناصرين نفي للشفاعة في حقهم كما تقدم في الكلام على الآية في الجزء الثالث من الكتاب.
وتقييد الجملة بقوله وهم كفار يدل على التوبة للعاصي المؤمن إذا مات على المعصية من غير استكبار ولا تساهل فإن التوبة من العبد بمعنى رجوعه إلى عبودية اختيارية و إن ارتفع موضوعها بالموت كما تقدم لكن التوبة منه تعالى بمعنى الرجوع بالمغفرة والرحمة يمكن أن يتحقق بعد الموت لشفاعة الشافعين وهذا في نفسه من الشواهد على أن المراد بالآيتين بيان حال توبة الله سبحانه لعباده لا بيان حال توبة العبد إلى الله إلا بالتبع.