الأرحام إلى صنعه وخلقه تعالى وقد نسب التقوى في كلامه تعالى إلى غيره كما في قوله واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله: البقرة - 281 وقوله واتقوا النار التي أعدت للكافرين: آل عمران - 131 وقوله واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة: الأنفال - 25.
وكيف كان فهذا الشطر من الكلام بمنزلة التقييد بعد الاطلاق والتضييق بعد التوسعة بالنسبة إلى الشطر السابق عليه أعني قوله يا أيها الناس اتقوا إلى قوله ونساء فإن محصل معنى الشطر الأول أن اتقوا الله من جهة ربوبيته لكم ومن جهة خلقه وجعله إياكم معاشر أفراد الانسان من سنخ واحد محفوظ فيكم ومادة محفوظة متكثرة بتكثركم وذلك هو النوعية الجوهرية الانسانية ومحصل معنى هذا الشطر أن اتقوا الله من جهة عظمته وعزته عندكم وذلك من شؤون الربوبية وفروعها واتقوا الوحدة الرحمية التي خلقها بينكم والرحم شعبة من شعب الوحدة والسنخية السارية بين أفراد الانسان.
ومن هنا يظهر وجه تكرار الامر بالتقوى وإعادته ثانيا في الجملة الثانية فإن الجملة الثانية في الحقيقة تكرار للجملة الأولى مع زيادة فائدة وهى إفادة الاهتمام التام بأمر الأرحام.
والرحم في الأصل رحم المرأة وهى العضو الداخلي منها المعبأ لتربية النطفة وليدا ثم استعير للقرابة بعلاقة الظرف والمظروف لكون الأقرباء مشتركين في الخروج من رحم واحدة فالرحم هو القريب والأرحام الأقرباء وقد اعتنى القرآن الشريف بأمر الرحم كما اعتنى بأمر القوم والأمة فإن الرحم مجتمع صغير كما أن القوم مجتمع كبير وقد اعتنى القرآن بأمر المجتمع وعده حقيقة ذات خواص وآثار كما اعتنى بأمر الفرد من الانسان وعده حقيقة ذات خواص وآثار تستمد من الوجود قال تعالى وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا: الفرقان - 54 وقال تعالى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا: الحجرات - 13 وقال تعالى وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله: الأحزاب - 6 وقال تعالى فهل عسيتم ان توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم: سورة محمد - 22