ثم إذا اعتبرنا ما يتصدم به الانسان من العوامل المضادة له في الوجود والبلايا العامة لنوعه من الحر والبرد والطوفان والزلزلة والجدب والوباء والطاعون والخسف والهدم والمقاتل الذريعة والمصائب الأخرى غير العامة وأعطيناها حظها من هذا النوع أوفر حظ وبالغنا في ذلك حتى أخذنا الفناء يعم الافراد بنسبة تسعمائة وتسعة وتسعين إلى الألف وأنه لا يبقى في كل مائة سنة من الألف إلا واحد أي إن عامل التناسل في كل مائة سنة يزيد على كل اثنين بواحد وهو واحد من ألف.
ثم إذا صعدنا بالعدد المفروض أولا بهذا الميزان إلى مدة سبعة آلاف سنة 70 قرنا وجدناه تجاوز بليونين ونصفا وهو عدد النفوس الانسانية اليوم على ما يذكره الاحصاء العالمي.
فهذه الاعتبار يؤيد ما ذكر من عمر نوع الانسان في الدنيا لكن علماء الجيولوجي علم طبقات الأرض ذكروا أن عمر هذا النوع يزيد على مليونات من السنين وقد وجدوا من الفسيلات الانسانية والأجساد والآثار ما يتقدم عهده على خمس مائة ألف سنة على ما استظهروه فهذا ما عندهم غير أنه لا دليل معهم يقنع الانسان ويرضي النفس باتصال النسل بين هذه الأعقاب الخالية والأمم الماضية من غير انقطاع فمن الجائز أن يكون هذا النوع ظهر في هذه الأرض ثم كثر ونما وعاش ثم انقرض ثم تكرر الظهور والانقراض ودار الامر على ذلك عدة أدوار على أن يكون نسلنا الحاضر هو آخر هذه الأدوار.
وأما القرآن الكريم فإنه لم يتعرض تصريحا لبيان أن ظهور هذا النوع هل ينحصر في هذه الدورة التي نحن فيها أو أن له أدوارا متعددة نحن في آخرها؟ وإن كان ربما يستشم من قوله تعالى وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء الآية: البقرة - 30 سبق دورة انسانية أخرى على هذه الدورة الحاضرة وقد تقدمت الإشارة إليه في تفسير الآية.
نعم في بعض الروايات الواردة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام ما يثبت للانسانية أدوارا كثيرة قبل هذه الدورة وسيجئ في البحث الروائي.