ونفى الفرق بينهم من جهة انتهاء تكون كل واحد منهم إلى أب وأم إنسانين فلا ينبغي أن يتكبر أحدهم على الآخرين ولا يتكرم إلا بالتقوى وأما آية النساء فهى في مقام بيان اتحاد أفراد الانسان من حيث الحقيقة وأنهم على كثرتهم رجالا ونساءا إنما اشتقوا من أصل واحد وتشعبوا من منشأ واحد فصاروا كثيرا على ما هو ظاهر قوله وبث منهما رجالا كثيرا ونساءا وهذا المعنى كما ترى لا يناسب كون المراد من النفس الواحدة وزوجها مطلق الذكر والأنثى الناسلين من الانسان على أنه لا يناسب غرض السورة أيضا كما تقدم بيانه.
وأما قوله وخلق منها زوجها فقد قال الراغب يقال لكل واحد من القرينين من الذكر والأنثى في الحيوانات المتزاوجة زوج ولكل قرينين فيها وفي غيرها زوج كالخف والنعل ولكل ما يقترن بآخر مماثلا له أو مضادا زوج إلى أن قال وزوجة لغة رديئة انتهى.
وظاهر الجملة أعني قوله وخلق منها زوجها أنها بيان لكون زوجها من نوعها بالتماثل وأن هؤلاء الافراد المبثوثين مرجعهم جميعا إلى فردين متماثلين متشابهين فلفظة من نشوئية والآية في مساق قوله تعالى ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة: الروم - 21 وقوله تعالى والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة: النحل - 72 وقوله تعالى فاطر السماوات والأرض جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن الانعام أزواجا يذرؤكم فيه: الشورى - 11 ونظيرها قوله ومن كل شئ خلقنا زوجين:
الذاريات - 49 فما في بعض التفاسير أن المراد بالآية كون زوج هذه النفس مشتقة منها وخلقها من بعضها وفاقا لما في بعض الاخبار أن الله خلق زوجة آدم من ضلع من أضلاعه مما لا دليل عليه من الآية.
وأما قوله وبث منهما رجالا كثيرا ونساء البث هو التفريق بالاثارة ونحوها قال تعالى فكانت هباء منبثا: الواقعة - 6 ومنه بث الغم ولذلك ربما يطلق البث ويراد به الغم لأنه مبثوث يبثه الانسان بالطبع قال تعالى قال إنما أشكوا بثي وحزني إلى الله: يوسف - 86 أي غمى وحزني.
وظاهر الآية أن النسل الموجود من الانسان ينتهى إلى آدم وزوجته من غير