في أموال الناس واعراضهم ونفوسهم في سبيل جميع ما يشتهون ويتهوسون لما في الانسان من قريحة التعالي والاستخدام، والى دفاع أولئك المستخدمين المستذلين عن أنفسهم فيما وقعوا فيه من مر الحياة بكل ما يستطيعونه من طرق الدفاع والانتقام، وهذا هو الهرج والمرج وفساد النظام الذي فيه هلاك الانسانية وفناء المدنية.
هذا مع ما يتفق عليه كثيرا من ذهاب المال الربوي من رأس فما كل مدين تراكمت عليه القروض يقدر على أداء ديونه أو يريد ذلك.
هذا في الربا المتداول بين الأغنياء وأهل العسرة، واما الذي بين غيرهم كالربا التجاري الذي يجري عليه أمر البنوك وغيرها كالربا على القرض والاتجار به فأقل ما فيه انه يوجب انجرار المال تدريجا إلى المال الموضوع للربا من جانب، ويوجب ازدياد رؤوس أموال التجارة واقتدارها أزيد مما هي عليها بحسب الواقع، ووقوع التطاول بينها واكل بعضها بعضا، وانهضام بعضها في بعض، وفناء كل في ما هو أقوى منه فلا يزال يزيد في عدد المحتاجين بالاعسار، ويجتمع الثروة بانحصارها عند الأقلين، وعاد المحذور الذي ذكرناه آنفا.
ولا يشك الباحث في مباحث الاقتصاد ان السبب الوحيد في شيوع الشيوعية وتقدم مرام الاشتراك هو التراكم الفاحش في الثروة عند أفراد، وتقدمهم البارز في مزايا الحياة، وحرمان آخرين وهم الأكثرون من أوجب واجباتهم، وقد كانت الطبقة المقتدرة غروا هؤلاء الضعفاء بما قرعوا به اسماعهم من ألفاظ المدنية والعدالة والحرية والتساوي في حقوق الانسانية، وكانوا يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم، ويعنون بها معاني هي في الحقيقة أضداد معانيها، وكانوا يحسبون انها يسعدهم في ما يريدونه من الاتراف واستذلال الطبقة السافلة والتعالي عليهم، والتحكم المطلق بما شاؤوا، وانها الوسيلة الوحيدة لسعادتهم في الحياة لكنهم لم يلبثوا دون ان صار ما حسبوه لهم عليهم، ورجع كيدهم ومكرهم إلى أنفسهم، ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين، وكان عاقبة الذين أساؤوا السوأى، والله سبحانه أعلم بما تصير إليه هذه النشأة الانسانية في مستقبل أيامها، ومن مفاسد الربا المشؤومة تسهيله الطريق إلى كنز الأموال، وحبس الألوف والملائين في مخازن البنوك عن الجريان في البيع والشرى، وجلوس قوم على أريكة البطالة والاتراف، وحرمان آخرين من المشروع الذي تهدي إليه الفطرة وهو اتكاء الانسان في حياته على العمل، فلا يعيش بالعمل عدة لاترافهم، ولا يعيش به