إلى التشديد على الانسان جزاءا لتمرده عن التكاليف السهلة بتبديلها مما يشق عليه ويحترج منه، فإن ذلك ليس من التكليف المنفي عنه تعالى غير الجائز عند العقل لأنها مما اختاره الانسان لنفسه بسوء اختياره فلا محذور في توجيهه إليه.
قوله تعالى: ربنا لا تؤاخذنا ان نسينا أو أخطانا، لما قالوا في مقام إجابة الدعوة سمعنا وأطعنا وهو قول ينبئ عن الإجابة المطلقة من غير تقييد ثم التفتوا إلى ما عليه وجودهم من الضعف والفتور، والتفتوا أيضا إلى ما آل إليه، أمر الذين كانوا من قبلهم وقد كانوا أمما أمثالهم استرحموا ربهم وسألوه ان لا يعاملهم معاملة من كان قبلهم من المؤاخذة والحمل والتحميل لانهم علموا بما علمهم الله ان لاحول ولا قوة إلا بالله، وان لا عاصم من الله إلا رحمته.
والنبي صلى الله عليه وآله وسلم وإن كان معصوما من الخطأ والنسيان لكنه إنما يعتصم بعصمة الله ويصان به تعالى فصح له ان يسأل ربه ما لا يأمنه من نفسه، ويدخل نفسه لذلك في زمرة المؤمنين.
قوله تعالى: ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا، الاصر هو الثقل على ما قيل، وقيل هو حبس الشئ بقهره، وهو قريب من المعنى الأول فإن في الحبس حمل الشئ على ما يكرهه ويثقل عليه.
والمراد بالذين من قبلنا: هم أهل الكتاب وخاصة اليهود على ما تشير السورة إلى كثير من قصصهم، وعلى ما يشير إليه قوله تعالى، " ويضع عنهم إصرهم والاغلال التي كانت عليهم " الأعراف - 157.
قوله تعالى: ربنا ولا تحملنا مالا طاقه لنا به، المراد بما لا طاقة لنا به ليس هو التكليف الابتدائي بما لا يطاق، إذ قد عرفت ان العقل لا يجوزه أبدا، وان كلامه تعالى أعني ما حكاه بقوله: وقالوا سمعنا وأطعنا يدل على خلافه بل المراد به جزاء السيئات الواصلة إليهم من تكليف شاق لا يتحمل عادة، أو عذاب نازل، أو رجز مصيب كالمسخ ونحوه.
قوله تعالى: واعف عنا واغفر لنا وارحمنا، العفو محو أثر الشئ، والمغفرة ستره، والرحمة معروفة، وأما بحسب المصداق فاعتبار المعاني اللغوية يوجب ان يكون سوق الجمل الثلاث من قبيل التدرج من الفرع إلى الأصل، وبعبارة أخرى من الأخص