من الشفيع في أمر المستشفع - انما تنافي السلطان الإلهي والتصرف الربوبي المطلق إذا لم ينته إلى اذن الله، ولم يعتمد على مشية الله تعالى بل كانت مستقلة غير مرتبطة وما من سبب من الأسباب ولا علة من العلل الا وتأثيره بالله ونحو تصرفه بإذن الله، فتأثيره وتصرفه نحو من تأثيره وتصرفه تعالى فلا سلطان في الوجود الا سلطانه ولا قيومية الا قيوميته المطلقة عز سلطانه.
وعلى ما بيناه فالشفاعة هي التوسط المطلق في عالم الأسباب والوسائط أعم من الشفاعة التكوينية وهي توسط الأسباب في التكوين، والشفاعة التشريعية أعني التوسط في مرحلة المجازاة التي تثبتها الكتاب والسنة في يوم القيامة على ما تقدم البحث عنها في قوله تعالى: " واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا " البقرة - 48، وذلك أن الجملة أعني قوله تعالى: من ذا الذي يشفع عنده، مسبوقة بحديث القيومية والملك المطلق الشاملين للتكوين والتشريع معا، بل المتماسين بالتكوين ظاهرا فلا موجب لتقييدهما بالقيومية والسلطنة التشريعيتين حتى يستقيم تذييل الكلام بالشفاعة المخصوصة بيوم القيامة.
فمساق هذه الآية في عموم الشفاعة مساق قوله تعالى: " إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يدبر الامر ما من شفيع إلا من بعد إذنه " يونس - 3، وقوله تعالى: الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع " ألم السجدة - 4، وقد عرفت في البحث عن الشفاعة ان حدها كما ينطبق على الشفاعة التشريعية كذلك ينطبق على السببية التكوينية، فكل سبب من الأسباب يشفع عند الله لمسببه بالتمسك بصفات فضله وجوده ورحمته لايصال نعمة الوجود إلى مسببه، فنظام السببية بعينه ينطبق على نظام الشفاعة كما ينطبق على نظام الدعاء والمسألة، قال تعالى: " يسأله من في السماوات والأرض كل يوم هو في شأن " الرحمن - 29، وقال تعالى: " وآتيكم من كل ما سألتموه " إبراهيم - 34، وقد مر بيانه في تفسير قوله تعالى: " وإذا سألك عبادي عني " البقرة - 186.
قوله تعالى: يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشئ من علمه الا بما شاء، سياق الجملة مع مسبوقيتها بأمر الشفاعة يقرب من سياق قوله تعالى: بل عباد