الاختلاف مما لا تنفع فيه البينات من الرسل بل هو مما يؤدي إليه الاجتماع الانساني الذي لا يخلو عن البغى والظلم، فالآية في مساق قوله تعالى: " وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم فيما فيه يختلفون " يونس - 19، وقوله تعالى: " كان الناس أمة واحدة - إلى أن قال -: وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه " البقرة - 213، وقوله تعالى: " ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك " هود - 119، كل ذلك يدل على أن الاختلاف في الكتاب - وهو الاختلاف في الدين - بين أتباع الأنبياء بعدهم مما لا مناص عنه، وقد قال تعالى في خصوص هذه الأمة:
" أم حسبتم ان تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم " البقرة - 214، وقال تعالى حكاية عن رسوله ليوم القيمة: " وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا " الفرقان - 30، وفي مطاوي الآيات تصريحات وتلويحات بذلك.
واما ان ذيل هذا الاختلاف منسحب إلى زمان الصحابة بعد الرحلة فالمعتمد من التاريخ والمستفيض أو المتواتر من الاخبار يدل على أن الصحابة أنفسهم كان يعامل بعضهم مع بعض في الفتن والاختلافات الواقعة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذه المعاملة، من غير أن يستثنوا أنفسهم من ذلك استنادا إلى عصمة أو بشارة أو اجتهاد أو استثناء من الله ورسوله، الزائد على هذا المقدار من البحث لا يناسب وضع هذا الكتاب.
وفي أمالي المفيد عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: لم يزل الله جل اسمه عالما بذاته ولا معلوم، ولم يزل قادرا بذاته ولا مقدور، قلت: - جعلت فداك - فلم يزل متكلما؟ قال: الكلام محدث، كان الله عز وجل وليس بمتكلم ثم أحدث الكلام.
وفي الاحتجاج عن صفوان بن يحيى، قال: سأل أبو قرة المحدث عن الرضا عليه السلام فقال: أخبرني - جعلت فداك - عن كلام الله لموسى فقال: الله أعلم بأي لسان كلمه بالسريانية أم بالعبرانية فأخذ أبو قرة بلسانه فقال: إنما أسألك عن هذا اللسان فقال:
أبو الحسن عليه السلام: سبحان الله عما تقول ومعاذ الله ان يشبه خلقه أو يتكلم بمثل ما هم متكلمون ولكنه سبحانه ليس كمثله شئ ولا كمثله قائل فاعل، قال: كيف؟ قال: