استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين " فصلت - 11، إلى غير ذلك من الآيات.
وبالجملة قوله: ولا يحيطون بشئ من علمه إلا بما شاء، يفيد معنى تمام التدبير وكماله، فإن من كمال التدبير أن المدبر (بالفتح) بما يريده المدبر (بالكسر) من شأنه ومستقبل أمره لئلا يحتال في التخلص عما يكرهه من أمر التدبير فيفسد على المدبر (بالكسر) تدبيره، كجماعة مسيرين على خلاف مشتهاهم ومرادهم فيبالغ في التعمية عليهم حتى لا يدروا من أين سيروا، وفي أين نزلوا، وإلى أين يقصد بهم.
فيبين تعالى بهذه الجملة ان التدبير له وبعلمه بروابط الأشياء التي هو الجاعل لها، وبقية الأسباب والعلل وخاصة أولوا العلم منها وإن كان لها تصرف وعلم لكن ما عندهم من العلم الذي ينتفعون به ويستفيدون منه فإنما هو من علمه تعالى وبمشيته وإرادته، فهو من شؤون العلم الإلهي، وما تصرفوا به فهو من شؤون التصرف الإلهي وأنحاء تدبيره، فلا يسع لمقدم منهم أن يقدم على خلاف ما يريده الله سبحانه من التدبير الجاري في مملكته ألا وهو بعض التدبير.
وفي قوله تعالى: ولا يحيطون بشئ من علمه إلا بما شاء، على تقدير ان يراد بالعلم المعنى المصدري أو معنى اسم المصدر لا المعلوم دلالة على أن العلم كله لله ولا يوجد من العلم عند عالم إلا وهو شئ من علمه تعالى، ونظيره ما يظهر من كلامه تعالى من اختصاص القدرة والعزة والحياة بالله تعالى، قال تعالى: " ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب ان القوة لله جميعا " البقرة - 165، وقال تعالى: " أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا " النساء - 139، وقال تعالى: " هو الحي لا اله الا هو " المؤمن - 65، ويمكن ان يستدل على ما ذكرناه من انحصار العلم بالله تعالى بقوله:
" انه هو العليم الحكيم " يوسف - 83، وقوله تعالى: " والله يعلم وأنتم لا تعلمون " آل عمران - 66، إلى غير ذلك من الآيات، وفي تبديل العلم بالإحاطة في قوله: ولا يحيطون بشئ من علمه، لطف ظاهر.
قوله تعالى: وسع كرسيه السماوات والأرض، الكرسي معروف وسمي به لتراكم بعض اجزائه بالصناعة على بعض، وربما كني بالكرسي عن الملك فيقال: كرسي