انه ابن مريم لا أب له، قال تعالى: " وجعلناها وابنها آية للعالمين " الأنبياء - 91، فمجموع الابن والام آية بينة إلهية وفضيلة اختصاصية أخرى.
قوله تعالى: ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعدما جائتهم البينات، العدول إلى الغيبة ثانيا لان المقام مقام إظهار ان المشية والإرادة الربانية غير مغلوبة، والقدرة غير باطلة، فجميع الحوادث على طرفي إثباتها ونفيها غير خارجة عن السلطنة الإلهية، وبالجملة وصف الألوهية هي التي تنافي تقيد القدرة وتوجب إطلاق تعلقها بطرفي الايجاب والسلب فمست حاجة المقام إلى اظهار هذه الصفة المتعالية أعني الألوهية للذكر فقيل: ولو شاء الله ما اقتتل، ولم يقل: ولو شئنا ما اقتتل، وهذا هو الوجه أيضا في قوله تعالى في ذيل الآية ولو شاء الله ما اقتتلوا، وقوله: ولكن الله يفعل ما يريد وهو الوجه أيضا في العدول عن الاضمار إلى الاظهار.
قوله تعالى: ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر، نسب الاختلاف إليهم لا إلى نفسه لأنه تعالى ذكر في مواضع من كلامه: ان الاختلاف بالايمان والكفر وسائر المعارف الأصلية المبينة في كتب الله النازلة على أنبيائه انما حدث بين الناس بالبغي، وحاشا ان ينتسب إليه سبحانه بغى أو ظلم.
قوله تعالى: ولو شاء ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد، أي ولو شاء الله لم يؤثر الاختلاف في استدعاء القتال ولكن الله يفعل ما يريد وقد أراد أن يؤثر هذا الاختلاف في سوقه الناس إلى الاقتتال جريا على سنة الأسباب.
ومحصل معنى الآية والله العالم: ان الرسل التي أرسلوا إلى الناس عباد لله مقربون عند ربهم، مرتفع عن الناس أفقهم وهم مفضل بعضهم على بعض على مالهم من الأصل الواحد والمقام المشترك، فهذا حال الرسل وقد اتوا للناس بآيات بينات اظهروا بها الحق كل الاظهار وبينوا طريق الهداية أتم البيان، وكان لازمه ان لا ينساق الناس بعدهم الا إلى الوحدة والألفة والمحبة في دين الله من غير اختلاف وقتال لكن كان هناك سبب آخر أعقم هذا السبب، وهو الاختلاف عن بغي منهم وانشعابهم إلى مؤمن وكافر، ثم التفرق بعد ذلك في سائر شؤون الحياة والسعادة، ولو شاء الله لأعقم هذا السبب أعني الاختلاف فلم يوجب الاقتتال وما اقتتلوا، ولكن لم يشأ وأجرى هذا