شديدة فلا محالة كانت تداخل الاخبار التاريخية من حيث اشتمالها على احكام وأقضية كما أن العصبية المادية والاحساسات القوية اليوم للحرية على الدين وللهوى على العقل يوجب مداخلات من أهل الأخبار اليوم نظير مداخلات القدماء فيما ضبطوه أو نقلوه، ومن هنا انك لا ترى أهل دين ونحلة فيما ألف أو جمع من الاخبار أودع شيئا يخالف مذهبه فما ضبطه أهل كل مذهب موافق لأصول مذهبه، وكذا الامر في النقل اليوم لا ترى كلمة تاريخية عملته أيديهم الا وفيه بعض التأييد للمذهب المادي.
على أن هيهنا عوامل أخرى تستدعي فساد التاريخ، وهو فقدان وسائل الضبط والاخذ والتحمل والنقل والتأليف والحفظ عن التغير والفقدان سابقا وهذه النقيصة وان ارتفعت اليوم بتقارب البلاد وتراكم وسائل الاتصال وسهولة نقل الاخبار والانتقال والتحول لكن عمت البلية من جهة أخرى وهي: ان السياسة داخلت جميع شؤون الانسان في حياته، فالدنيا اليوم تدور مدار السياسة الفنية، وبحسب تحولها تتحول الاخبار من حال إلى حال، وهذا مما يوجب سوء الظن بالتاريخ حتى كاد ان يورده مورد السقوط، ووجود هذه النواقص أو النواقض في التاريخ النقلي هو السبب أو عمدة السبب في اعراض العلماء اليوم عنه إلى تأسيس القضايا التاريخية على أساس الآثار الأرضية، وهذا وان سلمت عن بعض الاشكالات المذكورة كالأول مثلا، لكنها غير خالية عن الباقي، وعمدته مداخلة المؤرخ بما عنده من الاحساس والعصبية في الأقضية، وتصرف السياسة فيها افشائا وكتمانا وتغييرا وتبديلا، فهذا حال التاريخ وما معه من جهات الفساد الذي لا يقبل الاصلاح أبدا.
ومن هنا يظهر: ان القرآن الشريف لا يعارض في قصصه بالتاريخ إذا خالفه، فإنه وحي الهي منزه عن الخطأ مبرئ عن الكذب، فلا يعارضه من التاريخ مالا مؤمن له يؤمنه من الكذب والخطأ، فأغلب القصص القرآنية (كنفس هذه القصة قصة طالوت) يخالف ما يوجد في كتب العهدين، ولا ضير فيه فإن كتب العهدين لا تزيد على التواريخ المعمولة التي قد علمت كيفية تلاعب الأيدي فيها وبها، على أن مؤلف هذه القصة وهي قصة صموئيل وشارل بلسان العهدين، غير معلوم الشخص أصلا، وكيف كان فلا نبالي بمخالفة القرآن لما يوجد منافيا له في التواريخ وخاصة في كتب العهدين، فالقرآن هو الكلام الحق من الحق عز اسمه.