أو متاع زبد مثله كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاءا وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال " الرعد - 17، فهو يفيد ان سيول الحوادث وميزان التنازع تقذف زبد الباطل الضار في الاجتماع وتدفعه وتبقى ابليز (1) الحق النافع الذي ينمو فيه العمران، وابريز المصلحة التي يتحلى به الانسان، انتهى.
أقول: أما ان قاعدة تنازع البقاء وكذا قاعدة الانتخاب الطبيعي (بالمعنى الذي مر بيانه) حق في الجملة، وان القرآن يعتني بهما فلا كلام فيه، لكن هذين الصنفين الذين أوردهما من الآيات غير مسوقين لبيان شئ من القاعدتين، فإن الصنف الأول من الآيات مسوق لبيان ان الله سبحانه غير مغلوب في أرادته، وان الحق وهو الذي يرتضيه الله من المعارف الدينية غير مغلوب، وان حامله إذا حمله على الحق والصدق لم يكن مغلوبا ألبتة، وعلى ذلك يدل قوله تعالى أولا: بأنهم ظلموا وان الله على نصرهم لقدير، وقوله تعالى ثانيا: الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا ان يقولوا ربنا الله، فان الجملتين في مقام بيان ان المؤمنين سيغلبون أعدائهم لا لمكان التنازع وبقاء الأمثل الأقوى، فإن الأمثل والأقوى عند الطبيعة هو الفرد القوي في تجهيزه الطبيعي دون القوي من حيث الحق والأمثل بحسب المعنى، بل سيغلبون لانهم مظلومون ظلموا على قول الحق والله سبحانه حق وينصر الحق في نفسه، بمعنى ان الباطل لا يقدر على أن يدحض حجة الحق إذا تقابلا، وينصر حامل الحق إذا كان صادقا في حمله كما ذكره الله بقوله: ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة " الخ "، أي هم صادقون في قولهم الحق وحملهم إياه ثم ختم الكلام بقوله تعالى: ولله عاقبه الأمور، يشير به إلى عدة آيات تفيد ان الكون يسير في طريق كماله إلى الحق والصدق والسعادة الحقيقية، ولا ريب أيضا في دلالة القرآن على أن الغلبة لله ولجنده البتة كما يدل عليه قوله: " كتب الله لأغلبن أنا ورسلي " المجادلة - 21، وقوله تعالى: " ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم