تأثير العوامل المضادة فإنما يمكنه ان يقاومها إذا كان قوي الوجود قادرا على الدفاع عن نفسه، وكذلك الحال في افراد نوع واحد، إنما يصلح للبقاء منها ما قوي وجوده قبال المنافيات والأضداد التي تتوجه إليه، وهذا هو الانتخاب الطبيعي وبقاء الأمثل، وكذا إذا اجتمعت عدة كثيرة من العوامل ثم اتحدت أكثرها أو تقاربت من حيث العمل فلا بد ان يتأثر منها الموجود الذي توسط بينها الأثر الذي يناسب عملها، وهذا هو تبعية المحيط.
ومما يجب ان يعلم: ان أمثال هذه النواميس أعني: تبعية المحيط وغيرها إنما يؤثر فيما صح ان يؤثر، في عوارض وجود الشئ ولواحقه، واما نفس الذات بأن يصير نوعا آخر فلا، لكن القوم حيث كانوا لا يقولون بوجود الذات الجوهري بل يبنون البحث على أن كل موجود مجموع من العوارض المجتمعة الطارئة على المادة، وبذلك يمتاز نوع من نوع، وبالحقيقة لا نوع جوهرة يباين نوعا جوهريا آخر، بل جميع الأنواع تتحلل إلى المادة الواحدة نوعا المختلفة بحسب التراكيب المتنوعة، ومن هنا تراهم يحكمون بتبدل الأنواع وبتبعية المحيط أو تأثير سائر العوامل الطبيعية ولا يبالون بتبدل الذات فيها، وللبحث ذيل ممتد سيمر بك انشاء الله تفصيل القول فيه.
ونرجع إلى أول الكلام فنقول: ذكر بعض المفسرين: ان قوله تعالى، ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين الآية إشارة إلى قانوني تنازع البقاء والانتخاب الطبيعي.
قال: ويقرر ذلك قوله تعالى: " أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وان الله على نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره ان الله لقوي عزيز الذين ان مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور " الحج - 41، فهذا ارشاد إلى تنازع البقاء والدفاع عن الحق، وانه ينتهى ببقاء الأمثل وحفظ الأفضل.
ومما يدل على هذه القاعدة من القرآن المجيد قوله تعالى: " انزل من السماء ماءا فسالت أوديه بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية