وحيث كان الاجتماع متكئا في وجوده على الطبيعة جرى فيه أيضا نظير القانونين:
أعني: قانوني تنازع البقاء، والانتخاب وبقاء الأمثل.
فالاجتماع الكامل وهو الاجتماع المبني على أساس الاتحاد الكامل المحكم المرعي فيه حقوق الافراد: الفردية والاجتماعية أحق بالبقاء، وغيره أحق بالفناء والانقراض، والتجارب قاض ببقاء الأمم الحية المراقبة لوظائفها الاجتماعية المحافظة على سلوك صراطها الاجتماعي، وانقراض الأمم بتفرق القلوب، وفشو النفاق وشيوع الظلم والفساد وإتراف الكبراء وانهدام بنيان الجد فيهم، والاجتماع يحاكي في ذلك الطبيعة كما ذكر.
فالبحث في الآثار الأرضية يوصلنا إلى وجود أنواع من الحيوان في العهود الأولية الأرضية هي اليوم من الحيوانات المنقرضة الأنواع كالحيوان المسمى برونتوساروس أو التي لم يبق من أنواعها إلا أنموذجات يسيرة كالتمساح والضفدع ولم يعمل في إفنائها وانقراضها الا تنازع البقاء، والانتخاب الطبيعي وبقاء الأمثل، وكذلك الأنواع الموجودة اليوم لا تزال تتغير تحت عوامل التنازع والانتخاب، ولا يصلح منها للبقاء إلا الأمثل والأقوى وجودا، ثم يجره حكم الوراثة إلى استمرار الوجود وبقاء النوع، وعلى هذه الوتيرة كانت الأنواع والتراكيب الموجودة في أصل تكونها فإنما هي أجزاء المادة المنبثة في الجو حدثت بتراكمها وتجمعها الكرات والأنواع الحادثة فيها، فما كان منها صالحا للبقاء بقي ثم توارث الوجود، وما كان منها غير صالح لذلك لمنازعة ما هو أقوى منه معه فسد وانقرض، فهذا ما ذكره علماء الطبيعة والاجتماع...
وقد ناقضه المتأخرون بكثير من الأنواع الضعيفة الوجود الباقية بين الأنواع حتى اليوم، وبكثير من أصناف الأنواع النباتية والحيوانية فإن وقوع التربية بتأهيل كثير من أنواع النبات والحيوان واخراجها من البرية والوحشية، وسيرها بالتربية إلى جودة الجنس وكمال النوع مع بقاء البري والوحشي منها على الردائة، وسيرهما إلى الضعف يوما فيوما، واستقرار التوارث فيها على تلك الصفة، كل ذلك يقضي بعدم اطراد القاعدتين أعني تنازع البقاء والانتخاب الطبيعي.
ولذلك علل بعضهم هذه الصفة الموجودة بين الطبيعيات بفرضية أخرى، وهي تبعية المحيط فالمحيط الموجود وهو مجموع العوامل الطبيعية تحت شرائط خاصة زمانية