وإنما أمهات الناس أوعية ولا قال مثل ما قاله الآخر:
بنونا بنو أبنائنا وبناتنا * بنوهن أبناء الرجال الأباعد بل جعل تعالى كلا مخلوقا مؤلفا من كل. فعاد الكل أمثالا، ولا بيان أتم ولا، أبلغ من هذا البيان، ثم جعل الفضل في التقوى.
وقال تعالى: " إني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض " آل عمران - 195، فصرح أن السعي غير خائب والعمل غير مضيع عند الله وعلل ذلك بقوله: بعضكم من بعض فعبر صريحا بما هو نتيجة قوله في الآية السابقة:
إنا خلقناكم من ذكر وأنثى، وهو ان الرجل والمرأة جميعا من نوع واحد من غير فرق في الأصل والسنخ.
ثم بين بذلك ان عمل كل واحد من هذين الصنفين غير مضيع عند الله لا يبطل في نفسه، ولا يعدوه إلى غيره، كل نفس بما كسبت رهينة، لا كما كان يقوله الناس:
إن عليهن سيئاتهن، وللرجال حسناتهن من منافع وجودهن، وسيجئ لهذا الكلام مزيد توضيح.
وإذا كان لكل منهما ما عمل ولا كرامة إلا بالتقوى، ومن التقوى الأخلاق الفاضلة كالايمان بدرجاته، والعلم النافع، والعقل الرزين، والخلق الحسن، والصبر، والحلم فالمرأة المؤمنة بدرجات الايمان، أو المليئة علما، أو الرزينة عقلا، أو الحسنة خلقا أكرم ذاتا وأسمى درجة ممن لا يعادلها في ذلك من الرجال في الاسلام، كان من كان، فلا كرامة إلا للتقوى والفضيلة.
وفي معني الآية السابقة وأوضح منها قوله تعالى: " من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون " النحل - 97، وقوله تعالى: " ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب " المؤمن - 40، وقوله تعالى: " ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا " النساء - 124.