فهدى " الاعلى - 3، وقال تعالى: " ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقويها " الشمس - 8، إلى غير ذلك من آيات القدر.
فالأشياء ومن جملتها الانسان إنما تهتدي في وجودها وحياتها إلى ما خلقت له وجهزت بما يكفيه ويصلح له من الخلقة، والحياة القيمة بسعادة الانسان هي التي تنطبق أعمالها على الخلقة والفطرة انطباقا تاما، وتنتهي وظائفها وتكاليفها إلى الطبيعة انتهاءا صحيحا، وهذا هو الذي يشير إليه قوله تعالى: " فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم " الروم - 30، والذي تقتضيه الفطرة في أمر الوظائف والحقوق الاجتماعية بين الافراد - على أن الجميع إنسان ذو فطرة بشرية - أن يساوي بينهم في الحقوق والوظائف من غير أن يحبا بعض ويضطهد آخرون بإبطال حقوقهم، لكن ليس مقتضى هذه التسوية التي يحكم بها العدل الاجتماعي أن يبذل كل مقام اجتماعي لكل فرد من أفراد المجتمع، فيتقلد الصبي مثلا على صباوته والسفيه على سفاهته ما يتقلده الانسان العاقل المجرب، أو يتناول الضعيف العاجز ما يتناوله القوي المتقدر من الشؤون والدرجات، فإن في تسوية حال الصالح وغير الصالح إفسادا لحالهما معا.
بل الذي يقتضيه العدل الاجتماعي ويفسر به معنى التسوية، ان يعطى كل ذي حق حقه وينزل منزلته، فالتساوي بين الافراد والطبقات إنما هو في نيل كل ذي حق خصوص حقه من غير أن يزاحم حق حقا، أو يهمل أو يبطل حق بغيا أو تحكما ونحو ذلك، وهذا هو الذي يشير إليه قوله تعالى: ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة الآية، كما مر بيانه، فإن الآية تصرح بالتساوي في عين تقرير الاختلاف بينهن وبين الرجال.
ثم إن اشتراك القبيلين أعني الرجال والنساء في أصول المواهب الوجودية أعني، الفكر والإرادة المولدتين للاختيار يستدعي اشتراكها مع الرجل في حرية الفكر والإرادة أعني الاختيار، فلها الاستقلال بالتصرف في جميع شؤون حياتها الفردية والاجتماعية عدا ما منع عنه مانع، وقد أعطاها الاسلام هذا الاستقلال والحرية ه على أتم الوجوه كما سمعت فيما تقدم، فصارت بنعمة الله سبحانه مستقلة بنفسها منفكة الإرادة والعمل عن