والامر بالرأس، واشتقاق اللغات المختلفة منه، كالرأس والرئيس والرئاسة، ورأس الخيط، ورأس المدة، ورأس المسافة، ورأس الكلام، ورأس الجبل، والرأس من الدواب والانعام، ورئاس السيف.
فهذا - على ما يظهر - هو السبب في إسنادهم الادراك والشعور وما لا يخلو عن شوب إدراك مثل الحب والبغض والرجاء والخوف والقصد والحسد والعفة والشجاعة والجرأة ونحو ذلك إلى القلب، ومرادهم به الروح المتعلقة بالبدن أو السارية فيه بواسطته، فينسبونها إليه كما ينسبونها إلى الروح وكما ينسبونها إلى أنفسهم، يقال:
أحببته وأحبته روحي وأحبته نفسي وأحبه قلبي ثم استقر التجوز في الاستعمال فأطلق القلب وأريد به النفس مجازا كما ربما تعدوا عنه إلى الصدر فجعلوه لاشتماله على القلب مكانا لانحاء الادراك والافعال والصفات الروحية.
وفي القرآن شئ كثير من هذا الباب، قال تعالى: " يشرح صدره للاسلام " الانعام - 125، وقال تعالى: " إنك يضيق صدرك " الحجر - 97، وقال تعالى:
" وبلغت القلوب الحناجر " الأحزاب - 10، وهو كناية عن ضيق الصدر، وقال تعالى:
" ان الله عليم بذات الصدور " المائدة - 7، وليس من البعيد أن تكون هذه الاطلاقات في كتابه تعالى إشارة إلى تحقيق هذا النظر وان لم يتضح كل الاتضاح بعد.
وقد رجح الشيخ أبو علي بن سينا كون الادراك للقلب بمعنى أن دخالة الدماغ فيه دخالة الآلة فللقلب الادراك وللدماغ الوساطة.
ولنرجع إلى الآية ولا يخلو قوله تعالى: ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم، عن مجاز عقلي فإن ظاهر الاضراب عن المؤاخذة في بعض أقسام اليمين وهو اللغو إلى بعض آخر أن تتعلق بنفسه ولكن عدل عنه إلى تعليقه بأثره وهو الاثم المترتب عليه عند الحنث ففيه مجاز عقلي وإضراب في إضراب للإشارة إلى أن الله سبحانه لا شغل له إلا بالقلب كما قال تعالى: " إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله " البقرة - 284، وقال تعالى: " ولكن يناله التقوى منكم " الحج - 37.
وفي قوله تعالى: والله غفور حليم، إشارة إلى كراهة اللغو من اليمين، فإنه مما