الواحد القهار "، أخبر عن ثبوت الملك له تعالى في الآخرة وهو لم يحدث له تعالى هناك بل هو مالك دائما إلا أن حقيقته لا تنكشف لكافة الخلائق إلا يوم القيامة، وما لا يعلمه الانسان فليس بموجود له وإن كان موجودا في نفسه، فإذا علمه صار موجودا له كأنه وجد الان في حقه.
فقد سقط بهذا قول من قال: إن المعدوم كيف ينقل والعرض كيف ينقل؟.
فنقول: المنقول ثواب الطاعة لا نفس الطاعة، ولكن لما كانت الطاعة يراد لثوابها عبر عن نقل أثرها بنقل نفسها، وأثر الطاعة ليس أمرا خارجا عن الانسان لاحقا به حتى يشكل بأن نقله في الدنيا من قبيل انتقال العرض المحال، ونقله في الآخرة بعد انعدامه من قبيل إعادة المعدوم الممتنعة، وإن كان جوهرا فما هذا الجوهر؟! بل المراد بأثر الطاعة أثره في القلب بالتنوير فإن للطاعات تأثيرا في القلب بالتنوير وللمعاصي تأثيرا فيه بالقسوة والظلمة، وبأنوار الطاعة تستحكم مناسبة القلب مع عالم النور والمعرفة والمشاهدة، وبالظلم والقسوة يستعد القلب للحجاب والبعد، وبين آثار الطاعات والمعاصي تعاقب وتضاد كما قال تعالى: " إن الحسنات يذهبن السيئات " وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: اتبع السيئة الحسنة تمحقها " والآثام تمحيصات للذنوب، ولذلك قال عليه السلام:
إن الرجل ليثاب حتى بالشوكة تصيب رجله، وقال عليه السلام: الحدود كفارات.
فالظالم يتبع ظلمه ظلمة في قلبه وقسوة توجب انمحاء أثر النور الذي كان في قلبه من الطاعات التي كان عملها، والمظلوم يتألم فينكسر شهوته ويمحو عن قلبه أثر السيئات التي أورثت ظلمة في قلبه فيتنور قلبه نوع تنور، فقد دار ما في قلب الظالم من النور إلى قلب المظلوم، وما في قلب المظلوم من الظلمة إلى قلب الظالم وهذا معنى نقل الحسنات والسيئات.
فإن قال قائل: ليس هذا نقلا حقيقيا إذ حاصله بطلان النور من قلب الظالم وحدوث نور آخر في قلب المظلوم، وبطلان الظلمة من قلب المظلوم وحدوث ظلمة أخرى في قلب الظالم وليس هذا نقلا حقيقة.
قلنا اسم النقل قد يطلق على مثل هذا الامر على سبيل الاستعارة كما يقال: انتقل الظل من موضع إلى موضع آخر، وانتقل نور الشمس أو السراج من الأرض إلى الحائط