الحسنات والسيئات التي هي عناوين الحركات الخارجية دون الحركات والسكنات التي هي آثار الأجسام الطبيعية فقد قال تعالى: " وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير " الشورى - 30، وقال تعالى: " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له " الرعد - 11، وقال تعالى: " ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " الأنفال - 53، والآيات ظاهرة في أن بين الأعمال والحوادث ارتباطا ما شرا أو خيرا.
ويجمع جملة الامر آيتان من كتاب الله تعالى وهما قوله تعالى: " ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون " الأعراف - 96، وقوله تعالى: " ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون " الروم - 41.
فالحوادث الكونية تتبع الأعمال بعض التبعية، فجرى النوع الانساني على طاعة الله سبحانه وسلوكه الطريق الذي يرتضيه يستتبع نزول الخيرات، وانفتاح أبواب البركات، وانحراف هذا النوع عن صراط العبودية، وتماديه في الغي والضلالة وفساد النيات وشناعة الأعمال يوجب ظهور الفساد في البر والبحر وهلاك الأمم بفشو الظلم وارتفاع الامن وبروز الحروب وسائر الشرور الراجعة إلى الانسان واعماله، وكذا ظهور المصائب والحوادث المبيدة الكونية كالسيل والزلزلة والصاعقة والطوفان وغير ذلك، وقد عد الله سبحانه سيل العرم وطوفان نوح وصاعقة ثمود وصرصر عاد من هذا القبيل.
فالأمة الطالحة إذا انغمرت في الرذائل والسيئات أذاقها الله وبال أمرها وآل ذلك إلى إهلاكها وإبادتها، قال تعالى: " أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم كانوا هم أشد منهم قوة وآثارا في الأرض فأخذهم الله بذنوبهم وما كان لهم من الله من واق " المؤمن - 21، وقال تعالى: " وإذا أردنا ان نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا " الاسراء - 16، وقال تعالى: " ثم أرسلنا رسلنا تترى كلما جاء أمة رسولها كذبوه فأتبعنا بعضهم بعضا وجعلناهم أحاديث فبعدا لقوم لا يؤمنون " المؤمنون - 44، هذا كله في الأمة الطالحة،