تنزيل الآيات على الشواهد من الأبيات ، شرح شواهد الكشاف - محب الدين الأفندي - الصفحة ٣٩٣
في سورة البقرة عند قوله تعالى (ختم الله على قلوبهم) الختم ههنا بمعنى الحبسة والعي. وعذافر بالعين المهملة وضمها والذال المعجمة وكسر الفاء: اسم رجل، ويقال رجل عذافر: أي عظيم شديد، ويقال للأسد عذافر أيضا. والشاعر يخبر عن حال ذلك الرجل ولسانه ونطقه بأنها كذلك، ويمكن أنه يقول ذلك على سبيل الدعاء عليه.
فلا تسأليني واسألي عن خليفتي * (إذا رد عافى القدر من يستعيرها) فكانوا قعودا فوقها يرقبونها * وكانت فتاة الحي ممن يعيرها في سورة البقرة عند قوله تعالى (ختم الله على قلوبهم) من جهة الإسناد المجازى حيث أسند الختم إلى اسم الله تعالى على سبيل المجاز، وهو لغيره حقيقة فإن الشيطان هو الخاتم أو الكافر، إلا أنه سبحانه لما كان هو الذي أقدره ومكنه أسند إليه الختم كما أسند الفعل إلى السبب. وعافى القدر من عفاه: إذا جاء يطلب خيره ومعروفه. وقال عليه الصلاة والسلام " ما أكلت العافية فهو صدقة " وهى طلاب الرزق من الدواب والطير، وعافى القدر هنا: الذي جاء يطلب ما فيها ويأكله، فإذا جاء مرارا يعير القدر رآها مشغولة. وقيل عافى القدر: ما يبقى في أسفل القدر من المرق ويرد على معيرها، وهكذا كانوا يفعلون في تناهى القحط وشدة الزمان. والمعنى: اسألي عن خليقتي وجودي وكرمى أوان الضيق والجدب حين يرد مستعير القدر على المعير بقية الطعام الذي طبخ فيها. وفيه وجه آخر وهو أنه إذا ألقى في القدر بقية من الطعام فإن استعاره أحد رد من أجل هذه البقية التي في القدر، والمراد في الحقيقة صاحب القدر، قال عروة بن الورد:
وإني امرؤ عافى إنائي شركة * وأنت امرؤ عافى إنائك واحد جمع القائل بين معنيين في البيت، فإن معنى عافى إنائي: بقية طعام إنائي، ومعنى عافى إنائك: طالب معروف إنائك ويقال له العقبة، وهو شئ من المرق يرده مستعير القدر إذا ردها، وقريب من هذا المعنى قول حاتم: ناري ونار الجار واحدة * وإليه قبلي ينزل القدر ومن هذا القبيل قوله:
سأقدح من قدري نصيبا لجارتي * وإن كان ما فيها كفافا على أهلي إذا أنت لم تشرك رفيقك في الذي * يكون قليلا لم تشاركه في الفضل (أما والذي أبكى وأضحك والذي) أمات وأحيا والذي أمره الأمر لقد تركتني أحسد الوحش أن أرى * أليفين منها لا يروعهما الذعر من أبيات الحماسة.
في سورة البقرة عند قوله تعالى (ألا إنهم هم المفسدون) وأن الاستفهام إذا دخل على النفي أفاد ذلك تحقيقا كقوله (أليس ذلك بقادر) ولا تكاد تكون بعدها الجملة إلا مصدرة بنحو ما يتلقى القسم وأختها التي هي أما من مقدمات اليمين وطلائعها، وبعده:
فيا حبها زدني جوى كل ليلة * ويا سلوة الأيام موعدك الحشر عجبت لسعى الدهر بيني وبينها * فلما انقضى ما بيننا سكن الدهر وإني لتعروني لذكراك هزة * كما انتفض العصفور بلله القطر
(٣٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 388 389 390 391 392 393 394 395 396 397 398 ... » »»
الفهرست