تفسير القمي - علي بن إبراهيم القمي - ج ١ - الصفحة ٣٨
أفعل وهم يسألون، ثم اغترف غرفة أخرى من الماء المالح الأجاج (1) فصلصلها في كفه فجمدت ثم قال لها منك أخلق الجبارين والفراعنة والعتاة واخوان الشياطين والدعاة إلى النار إلى يوم القيامة وأشياعهم ولا أبالي ولا اسأل عما افعل وهم يسألون قال وشرطه في ذلك البداء (2) ولم يشترط في أصحاب اليمين ثم أخلط

(١) لا يقال إن هذا الخبر مؤيد للمجبرة الذين يقولون بعدم اختيار العباد، لأنه يقال إنه الله تعالى عالم بسريرة العباد قبل خلقهم وخبير بمصيرهم إلى الحسن أو القبح بدون أن يكون لهذا العلم دخل في أفعالهم لان العلم بالشئ لا يكون مؤثرا فيه، بل المؤثر في الافعال إرادة الفاعل، فلما علم الله سبحانه وتعالى ان فريقا من العباد يفعلون الخير والحسنات، وآخرين يرتكبون الفواحش والمنكرات جعل في طينة الأولين الماء العذب، انعاما عليهم واكراما لهم ليكون أوفق لهم في مقام الطاعة وأسهل في الانقياد، وليس هذا على حد الالجاء ولا سببا لما صدر عنهم من الاعمال الحسنة بل إنه من الموفقات - وكذلك جعل في طينة الأشرار الماء المالح الأجاج تخفيضا وتحقيرا لهم وليس فيه الزام والجاء على فعل القبيح بل هو تابع لإرادتهم كما ذكر ويؤيد ما ذكرنا قوله عليه السلام " وشرطه في ذلك البداء " فاندفع من هذا ما يرد على الأخبار الواردة من هذا القبيل كاخبار الطينة، واخبار السعادة والشقاوة في بطون الأمهات - (٢) قال جدي السيد الجزائري رحمه الله في زهر الربيع في معنى البداء انه " تكثرت الأحاديث من الفريقين في البداء " مثل " ما عظم الله بمثل البداء " وقوله " ما بعث الله نبيا حتى يقر له بالبداء " اي يقر له بقضاء مجدد في كل يوم بحسب مصالح العباد لم يكن ظاهرا عندهم، وكان الاقرار عليهم بذلك للرد على اليهود حيث زعموا انه تعالى فرغ من الامر، يقولون إنه تعالى عالم في الأزل بمقتضيات الأشياء فقدر كل شئ على مقتضى علمه.
وقال شيخنا الطوسي رحمه الله في العدة: واما البداء فحقيقته في اللغة الظهور، كما يقال " بدا لنا سور المدينة، وقد يستعمل في العلم بالشئ بعد ان لم يكن حاصلا، فإذا أضيفت هذه اللفظة إلى الله تعالى فمنه ما يجوز اطلاقه عليه ومنه ما لا يجوز، فالأول هو ما أفاد النسخ بعينه ويكون اطلاق ذلك عليه على ضرب من التوسع، وعلى هذا يحمل جميع ما ورد عن الصادق عليه السلام من الاخبار المتضمنة لإضافة البداء إلى الله تعالى دون ما لا يجوز عليه من حصول العلم بعد ان لم يكن، ويكون وجه اطلاق ذلك عليه تعالى التشبيه هو انه إذا كان ما يدل على النسخ يظهر به للمكلفين ما لم يكن ظاهرا ويحصل لهم العلم به بعد ان لم يكن حاصلا وأطلق على ذلك لفظ " البداء ".
قال وذكر سيدنا المرتضى وجها آخر في ذلك وهو: أنه قال يمكن حمل ذلك على حقيقته بان يقال بد الله بمعنى انه ظهر له من الامر ما لم يكن ظاهرا له، وبدا له من النهي ما لم يكن ظاهرا له، لان قبل وجود الأمر والنهي لا يكونان ظاهرين مدركين وإنما يعلم أنه يأمر وينهى في المستقبل، فاما كونه آمرا وناهيا فلا يصح ان يعلمه الا إذا وجد الأمر والنهي وجرى ذلك مجرى أحد الوجهين المذكورين في قوله تعالى " ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم " بان نحمله على أن المراد به حتى نعلم جهادكم موجودا، لان قبل وجود الجهاد لا يعلم الجهاد موجودا وإنما يعلم كذلك بعد حصوله فكذلك القول في البداء (انتهى).
ويظهر مما افاده الشيخ رحمه الله عدم الفرق بين البداء والنسخ ولكن يمكن ان يقال في مقام الفرق بينهما ان الأول يطلق على ما يتعلق بالأصول المنوطة - بالاعتقاد التي لا دخل له في العمل، والثاني مخصوص بالفروع والشرائع المتعلقة باعمال المكلفين، وهذا الفرق غير خفي على كل حفي وأحسن ما يمكن التمثيل به في معنى البداء قوله تعالى " وواعدنا موسى ثلاثين ليلة ثم أتممناها بعشر (الأعراف 142) فواعد الله موسى لاعطاء التوراة ثلاثين ليلة، ثم غير الوعد المذكور على الظاهر بإضافة عشر ليال، ولم يكن هذا التغيير لأجل سنوح مصلحة جديدة كانت خفية عنه سابقا بل المعنى ان الميعاد المقرر عند الله لم يكن إلا أربعين ليلة، لكنه بين أولا بأنه ثلاثون لحكمة امتحان ايمان تابعي موسى، فمنهم من ثبت عند هذا الامتحان، ومنهم من خرج عن ربقة الايمان، وتعبد بالعجل والأوثان، وبعد ما انتهى هذا الابتلاء أتم الميعاد بإضافة عشر ليال، والدليل على أن الميعاد المقرر عند الله كان أربعين ليلة لا غير قوله تعالى " وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون. البقرة 51 " قال البلاغي " أربعين ليلة باعتبار مجموع العددين، الوعد الأول - وهو ثلاثون ليلة - والثاني، وهو اتمامها بعشر كما في سورة الأعراف ".
فعلى هذا لا يرد على البداء من أنه موجب لجهله تعالى عن عواقب الأمور أو موجب للتغير في علمه، أو نقصانه، لان التغير في المعلوم دون العالم، وان سلم فهو اعتباري غير قادح في وجوبه كما أشار إليه بقوله " كل يوم هو في شأن.
الرحمن 29 ".
ومن هذا يظهر أيضا دفع الاشكال الوارد على الحديث المشهور عن الصادق عليه السلام في ولده إسماعيل عند وفاته، وهو قوله عليه السلام: " ما بدا لله في كل شئ كما بدا له في إسماعيل " وقد بين له معان لا يسعني ذكرها فنقتصر على ما خطر في خاطري وهو انه: لما كان الغرض المهم من خلقه الكون خلقة الانسان، والمهم في خلقهم بعث الأنبياء، والمهم في بعثهم نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وآله، والمهم في بقاء شريعته صلى الله عليه وآله امامة اثنى عشرة أئمة، فكانت النتيجة ان هذه الإمامة مدار الكون، فكان الابتلاء فيها من أهم الابتلاءات، فكان ظهور البداء فيها من أعظم البدوات التي امتحن الله بها قلوب العباد - والله العالم - ج - ز
(٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة المحشي 1
2 مقدمة المصنف 1
3 الجزء (1) 28
4 سورة الفاتحة 28
5 سورة البقرة 30
6 معاني الايمان 31
7 معاني الكفر 33
8 معاني الحياة 35
9 ابتداء خلقة آدم 37
10 حج آدم 45
11 قصة البقرة 49
12 قضية أبي ذر 51
13 أصل السحر 55
14 قصة هاروت وماروت 57
15 إبراهيم وبناء البيت 61
16 الجزء (2) 62
17 كيفية الحج 69
18 اقسام الطلاق 75
19 اقسام العدة. 79
20 قصة طالوت وجالوت 81
21 الجزء (3) 84
22 آية الكرسي 85
23 قصة بخت نصر 87
24 احكام الربا 93
25 (سورة آل عمران) 96
26 مسائل النصراني والامام الباقر (ع) 99
27 قصة مريم 101
28 رفع عيسى 103
29 الجزء (4) 107
30 ورود الرايات يوم القيامة 109
31 غزوة أحد 111
32 مقام الأمير (ع) في أحد 113
33 شجاعة امرأة في أحد 115
34 شهادة حمزة (ع) 117
35 مواساة رجل من الأنصار 123
36 (سورة النساء) 130
37 حكم الكلالة 133
38 الجزء (5) 135
39 احكام القتل 147
40 الجزء (6) 157
41 (سورة المائدة) 160
42 القمار في الجاهلية 161
43 دخول بني إسرائيل في التيه 165
44 قصة هابيل وقابيل 167
45 خطبة النبي (ص) يوم الغدير 173
46 قضية ليلة العقبة 175
47 الهجرة إلى الحبشة 177
48 الجزء (7) 180
49 نزول حرمة الخمر 181
50 المأمون والامام الجواد (ع) 183
51 نكاح الجواد (ع) من أم الفضل 185
52 اقسام الصوم 187
53 مسائلة الله النبي يوم القيامة 191
54 (سورة الانعام) 193
55 ولادة إبراهيم (ع) 207
56 الجزء (8) 213
57 (سورة الأعراف) 222
58 اعتراض جبرئيل على آدم 225
59 رد الجبرية والقدرية 227
60 جهنم في الأرض والجنة في السماء 231
61 أسئلة مولى عمر من الباقر (ع) 233
62 الجزء (9) 236
63 آيات تسع لموسى 237
64 نزول التوراة 239
65 مناجاة الله موسى 243
66 قوم ثمود 245
67 ميثاق النبيين في الذر 247
68 (سورة الأنفال) 254
69 غزوة بدر 257
70 كلام المقداد وسعد 259
71 خوف قريش 261
72 كلام رسول الله (ص) لقريش 263
73 شهادة عبيدة بن الحارث 265
74 حمل إبليس لواء المشركين 267
75 (سورة التوبة) 271
76 شورى قريش في دار الندوة 273
77 مبيت علي (ع) على فراش النبي (ص) 275
78 الجزء (10) 278
79 غزوة حنين 285
80 مواساة الأمير (ع) في حنين 287
81 خطبة النبي (ص) في تبوك 291
82 حديث المنزلة 293
83 وفاة أبي ذر 295
84 توبة المتخلفين عن القتال 297
85 مصرف الصدقات 299
86 الجزء (11) 303
87 توبة أبي لبابة 303
88 مسجد ضرار 305
89 (سورة يونس) 308
90 غرق فرعون 315
91 أسف يونس على آل فرعون 319
92 سورة هود 321
93 الجزء (12) 321
94 معاني الأمة 323
95 قصة نوح 325
96 قصة لوط 329
97 قصة صالح 331
98 خروج إبراهيم من بلاد نمرود 333
99 هلاك قوم لوط 335
100 (سورة يوسف) 339
101 دعاء يوسف في السجن 345
102 الجزء (13) 346
103 كتاب عزيز مصر إلى يعقوب 351
104 دعاء يعقوب ويوسف للفرج 353
105 قميص يوسف 355
106 رد شباب زليخا 357
107 (سورة الرعد) 359
108 خلقة فاطمة من طوبى 365
109 (سورة إبراهيم) 367
110 الانسان وآخر يومه من الدنيا 369
111 ولوج النكيرين في القبر 371
112 سورة الحجر 372
113 الجزء (14) 372
114 ميلاد النبي الأعظم (ص) 373
115 حماء أبي طالب عن النبي 379
116 (سورة النحل) 382