شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٢٠ - الصفحة ٢٥٧
الحمد لله الذي جعل الأرض كفاتا، أحياء وأمواتا (1). والحمد لله الذي منها خلقنا، وعليها ممشانا، وفيها معاشنا، وإليها يعيدنا. طوبى لمن ذكر المعاد، وقنع بالكفاف، وأعد للحساب!
15 - إنكم مخلوقون اقتدارا، ومربوبون اقتسارا (2)، ومضمنون أجداثا (3)، وكائنون رفاتا (4)، ومبعوثون أفرادا، ومدينون حسابا. فرحم الله امرأ اقترف فاعترف، ووجل فعقل، وحاذر (5) فبادر، وعمر فاعتبر، وحذر فازدجر، وأجاب فأناب، وراجع فتاب، واقتدى فاحتذى (6)، وتأهب للمعاد، واستظهر بالزاد، ليوم رحيله، ووجه سبيله ولحال حاجته، وموطن فاقته، فقدم أمامه لدار مقامه، فمهدوا لأنفسكم على سلامه الأبدان وفسحة الأعمار، فهل ينتظر أهل غضارة (7) الشباب إلا حواني الهرم، وأهل بضاضة الصحة إلا نوازل السقم، وأهل مدة البقاء إلا مفاجأة الفناء واقتراب الفوت، ومشارفة الانتقال، وإشفاء الزوال، وحفز الأنين (8) ورشح الجبين، وامتداد العرنين (9)، وعلز القلق (10)، وقيظ الرمق (11)، وشدة المضض، وغصص الجرض (12).
16 - ثلاث منجيات: خشية الله في السر والعلانية، والقصد في الفقر والغنى، والعدل في الغضب والرضا.

(1) قوله: (كفاتا أحياء وأمواتا)، أي جعل الأرض مجمع لنا في حياتنا ومماتنا، الكفاة بالكسر:
الموضع يكفت فيه الشئ، أي يضم ويجمع، والأرض كفات لنا.
(2) قسره: قهره.
(3) الجدث: القبر.
(4) رفاتا، رفته: كسره ودقه، والرفات الحطام.
(5) الحذر: الاحتراز.
(6) د: (اهتدى).
(7) الغضارة: النعمة والسعة والخصب.
(8) الحفز: الحث والإعجال.
(9) العرنين: الانف، فإنه يمتد عند الموت.
(10) العلز: القلق والخفة.
(11) القيظ بالقاف: شدة الحر: وبالفاء: الموت. والرمق: بقية الحياة.
(12) الغصة: ما اعترض في الحلق: والجرض: الريق.
(٢٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 251 252 253 255 256 257 258 259 260 261 262 ... » »»
الفهرست