شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٢٠ - الصفحة ٢٢٤
فأكب عمر مليا ينكت الأرض بيده والقوم صامتون ينظرون ما يقوله، ثم رفع رأسه وقال:
إذا ولى الحكومة بين قوم * أصاب الحق والتمس السدادا وما خير الامام إذا تعدى * خلاف الحق واجتنب الرشادا.
ثم قال للقوم: ما تقولون في يمين هذا الرجل؟ فسكتوا، فقال: سبحان الله!
قولوا. فقال رجل من بنى أمية: هذا حكم في فرج، ولسنا نجترئ على القول فيه، وأنت عالم بالقول، مؤتمن لهم وعليهم، قل ما عندك، فإن القول ما لم يكن يحق باطلا ويبطل حقا جائز على في مجلسي.
قال: لا أقول شيئا، فالتفت إلى رجل من بني هاشم من ولد عقيل بن أبي طالب، فقال له: ما تقول فيما حلف به هذا الرجل يا عقيلي؟ فاغتنمها، فقال: يا أمير المؤمنين، إن جعلت قولي حكما، أو حكمي جائزا قلت، وإن لم يكن ذلك فالسكوت أوسع لي، وأبقى للمودة، قال: قل وقولك حكم، وحكمك ماض.
فلما سمع ذلك بنو أمية قالوا: ما أنصفتنا يا أمير المؤمنين إذ جعلت الحكم إلى غيرنا، ونحن من لحمتك وأولى رحمك، فقال عمر: اسكتوا، أعجزا ولؤما! عرضت ذلك عليكم آنفا فما انتدبتم له. قالوا: لأنك لم تعطنا ما أعطيت العقيلي، ولا حكمتنا كما حكمته، فقال عمر: إن كان أصاب وأخطأتم، وحزم وعجزتم، وأبصر وعميتم، فما ذنب عمر، لا أبا لكم! أتدرون ما مثلكم؟ قالوا: لا ندري، قال: لكن العقيلي يدرى، ثم قال: ما تقول يا رجل، قال: نعم يا أمير المؤمنين، كما قال الأول:
دعيتم إلى أمر فلما عجزتم * تناوله من لا يداخله عجز فلما رأيتم ذاك أبدت نفوسكم * نداما وهل يغنى من القدر الحذر!
فقال عمر: أحسنت وأصبت، فقل ما سألتك عنه. قال: يا أمير المؤمنين،
(٢٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 219 220 221 222 223 224 225 226 227 228 229 ... » »»
الفهرست