شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٢٠ - الصفحة ٢٢٣
غضب، وليرض من رضى، وتسامع الناس بذلك، فاجتمعوا له، وإن كانت الألسن مجتمعة فالقلوب شتى، وقد علمت يا أمير المؤمنين اختلاف الناس في أهوائهم، وتسرعهم إلى ما فيه الفتنة، فأحجمنا عن الحكم لتحكم بما أراك الله، وإنهما تعلقا بها، وأقسم أبوها ألا يدعها معه، وأقسم زوجها ألا يفارقها ولو ضربت عنقها إلا أن يحكم عليه بذلك حاكم لا يستطيع مخالفته والامتناع منه، فرفعناهم إليك يا أمير المؤمنين، أحسن الله توفيقك وأرشدك!
وكتب في أسفل الكتاب إذا ما المشكلات وردن يوما * فحارت في تأملها العيون وضاق القوم ذرعا عن نباها * فأنت لها أبا حفص أمين لأنك قد حويت العلم طرا * وأحكمك التجارب والشؤون وخلفك الاله على الرعايا * فحظك فيهم الحظ الثمين.
قال: فجمع عمر بن عبد العزيز بني هاشم وبنى أمية وأفخاذ قريش، ثم قال لأبي المرأة: ما تقول أيها الشيخ؟ قال: يا أمير المؤمنين، هذا الرجل زوجته ابنتي، وجهزتها إليه بأحسن ما يجهز به مثلها، حتى إذا أملت خيره، ورجوت صلاحه، حلف بطلاقها كاذبا، ثم أراد الإقامة معها، فقال له عمر: يا شيخ، لعله لم يطلق امرأته، فكيف حلف؟ قال الشيخ: سبحان الله، الذي حلف عليه لأبين حنثا وأوضح كذبا من أن يختلج في صدري منه شك، مع سنى وعلمي، لأنه زعم أن عليا خير هذه الأمة وإلا فامرأته طالق ثلاثا، فقال للزوج: ما تقول؟ أهكذا حلفت؟ قال: نعم، فقيل:
إنه لما قال نعم، كاد المجلس يرتج بأهله، وبنو أمية ينظرون إليه شزرا، إلا إنهم لم ينطقوا بشئ، كل ينظر إلى وجه عمر.
(٢٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 218 219 220 221 222 223 224 225 226 227 228 ... » »»
الفهرست