بيتك وسلفك، فإنهم لما حاولوا النظر رجعوا بآخره إلى السمعيات، وتركوا العقليات، لأنها أفضت بهم إلى ما لا يعرفونه، ولا هو من تكليفهم.
ثم قال له: فإن كرهت التقليد المحض، وأحببت أن تسلك مسلكهم في النظر، وإن أفضى بك الامر بأخرة إلى تركه والعود إلى المعروف من الشرعيات وما ورد به الكتاب والسنة، فينبغي أن تنظر وأنت مجتمع الهم خال من الشبهة، وتكون طالبا للحق غير قاصد إلى الجدل والمراء، فلما وجدنا ظاهر اللفظ يقتضي هذه المعاني، ولم يجز عندنا أن يأمر أمير المؤمنين عليه السلام ولده (1) مع حكمته وأهلية ولده بالتقليد وترك النظر، رجعنا إلى تأويل كلامه على وجه يخرج به عليه السلام من أن يأمر بما لا يجوز لمثله أن يأمر به.
واعلم أنه قد أوصاه إذا هم بالشروع في النظر بمحض ما ذكره المتكلمون، وذلك أمور:
منها أن يرغب إلى الله في توفيقه وتسديده.
ومنها أن يطلب المطلوب النظري بتفهم وتعلم، لا بجدال ومغالبة ومراء ومخاصمة.
ومنها إطراح العصبية لمذهب بعينه، والتورط في الشبهات التي يحاول بها نصرة ذلك المذهب.
ومنها ترك الألف والعادة، ونصرة أمر يطلب به الرياسة، وهو المعني بالشوائب التي تولج في الضلال.
ومنها أن يكون صافي القلب مجتمع الفكر غير مشغول السر بأمر من جوع