إثبات ثان حكيم لوجب أن يبعث رسولا يدعو المكلفين إلى التثنية، لان الأنبياء كلهم دعوا إلى التوحيد، لكن التوحيد على هذا الفرض ضلال، فيجب على الثاني الحكيم أن يبعث من ينبه المكلفين على ذلك الضلال ويرشدهم إلى الحق وهو إثبات الثاني، وإلا كان منسوبا في إهمال ذلك إلى السفه واستفساد المكلفين، وذلك لا يجوز، ولكنا ما أتانا رسول يدعو إلى إثبات ثان في الإلهية فبطل كون القول بالتوحيد ضلالا، وإذا لم يكن ضلالا كان حقا، فنقيضه وهو القول بإثبات الثاني باطل.
الوجه الثاني: أنه لو كان في الوجود ثان للقديم تعالى لوجب أن يكون لنا طريق إلى إثباته، إما من مجرد أفعاله، أو من صفات أفعاله، أو من صفات نفسه، أو لا من هذا ولا من هذا، فمن التوقيف.
وهذه هي الأقسام التي ذكرها أمير المؤمنين عليه السلام، لان قوله: " أتتك رسله " هو التوقيف، وقوله: " ولرأيت آثار ملكه وسلطانه "، هي صفات أفعاله، وقوله: " ولعرفت أفعاله وصفاته " هما القسمان الآخران.
أما إثبات الثاني من مجرد الفعل فباطل، لان الفعل إنما يدل على فاعل ولا يدل على التعدد، وأما صفات أفعاله وهي كون أفعاله محكمة متقنة، فإن الاحكام الذي نشاهده إنما يدل على عالم ولا يدل على التعدد، وأما صفات ذات البارئ فالعلم بها فرع على العلم بذاته، فلو أثبتنا ذاته بها لزم الدور.
وأما التوقيف فلم يأتنا رسول ذو معجزة صحيحة يدعونا إلى الثاني، وإذا بطلت الأقسام كلها، وقد ثبت أن ما لا طريق إلى إثباته لا يجوز إثباته بطل القول باثبات الثاني.
ثم قال: " لا يضاده في ملكه أحد " ليس يريد بالضد ما يريده المتكلمون من نفي ذات هي معاكسة لذات البارئ تعالى في صفاتها كمضادة السواد للبياض، بل مراده نفى الثاني لا غير، فإن نفى الضد بحث آخر لا دخول له بين هذا الكلام.