جميله، وصرفت عنك مجهوله، ورأيت حيث عناني من أمرك ما يعني الوالد الشفيق، وأجمعت عليه من أدبك أن يكون ذلك وأنت مقبل العمر ومقتبل الدهر، ذو نية سليمة، ونفس صافية، وأن أبتدئك بتعليم كتاب الله عز وجل وتأويله وشرائع الاسلام وأحكامه، وحلاله وحرامه، لا أجاوز ذلك بك إلى غيره. ثم أشفقت أن يلتبس عليك ما اختلف الناس فيه من أهوائهم وآرائهم، مثل الذي التبس عليهم، فكان إحكام ذلك على ما كرهت من تنبيهك له أحب إلي من إسلامك إلى أمر لا آمن عليك فيه (1) الهلكة، ورجوت أن يوفقك الله فيه لرشدك، وأن يهديك لقصدك، فعهدت إليك وصيتي هذه.
الشرح:
هذا الفصل وما بعده يشعر بالنهي عن علم الكلام حسب ما يقتضيه ظاهر لفظه، أ لا تراه قال له: كنت عازما على أن أعلمك القرآن وتفسيره والفقه وهو المعرفة بأحكام الشريعة، ولا أجاوز ذلك بك إلى غيره، ثم خفت أن تدخل عليك شبهة في أصول الدين فيلتبس عليك في عقيدتك الأصلية ما التبس على غيرك من الناس، فعدلت عن العزم الأول إلى أن أوصيك بوصايا تتعلق بأصول الدين.
ومعنى قوله عليه السلام: " وكان (2) إحكام ذلك " إلى قوله: " لا آمن عليك به الهلكة "، أي فكان إحكامي الأمور الأصلية عندك وتقرير الوصية التي أوصيك بها في ذهنك فيما رجع إلى النظر في العلوم (3) الإلهية، وإن كنت كارها للخوض [معك] (4)