قلت: الاخذ بما عرفوا، مثل أدلة (1) حدوث الأجسام وتوحيد البارئ وعدله، والامساك عما لم يكلفوا، مثل النظر في إثبات الجزء الذي لا يتجزأ ونفيه، ومثل الكلام في الخلا والملا، والكلام في أن هل بين كل حركتين مستقيمتين سكون أم لا؟ وأمثال ذلك مما لا يتوقف أصول التوحيد والعدل عليه، فإنه لا يلزم أصحاب الجمل والمبادئ أن يخوضوا في ذلك، لأنهم لم يكلفوا الخوض فيه، وهو من وظيفة قوم آخرين.
قوله عليه السلام: " فإن أبت نفسك أن تقبل ذلك دون أن تعلم كما علموا "، هذا الموضع فيه نظر، لأنا قد قلنا: إنهم لم يعلموا التفاصيل الدقيقة، فكيف يجعلهم عالمين بها؟
ويقول: " أن تعلم كما علموا " وينبغي أن يقال: أن الكاف وما عملت فيه في موضع نصب، لأنه صفة مصدر محذوف، وتقديره فإن أبت نفسك أن تقبل ذلك علما كما علموا دون أن تعلم التفاصيل الدقيقة، وجاز انتصاب " علما " والعامل فيه " تقبل " لان القبول من جنس العلم، لان القبول اعتقاد والعلم اعتقاد، وليس لقائل أن يقول: فإذن يكون قد فصل بين الصفة والموصوف بأجنبي، لان الفصل بينهما قد جاء كثيرا، قال الشاعر:
جزى الله كفا ملئها من سعادة * سرت في هلاك المال والمال نائم ويجوز أن يقال: كما علموا الان بعد موتهم، فإنهم بعد الموت يكونون عالمين بجميع ما يشتبه علمه على الناس في الحياة الدنيا، لان المعارف ضرورية بعد الموت، والنفوس باقية على قول كثير من المسلمين وغيرهم.
واعلم أن الذي يدعو إلى تكلف هذه التأويلات أن ظاهر الكلام كونه يأمر بتقليد النبي صلى الله عليه وآله والاخذ بما في القرآن وترك النظر العقلي، هذا هو ظاهر الكلام، أ لا تراه كيف يقول له: الاقتصار على ما فرضه الله عليك، والاخذ بما مضى عليه أهل