أن يقتصر منه على الإيلام فقط، لان الجميع حقه، فله أن يستوفي البعض ويسقط البعض، وقد روي " أو بما شاء " بالباء الزائدة، " وروى بما لا يعلم ". وأما (1) الثواب فلا يجوز أن يجازى به المحسن في الدنيا، لأنه على صفة لا يمكن أن تجامع (2) التكليف، فيحمل لفظ الجزاء على جزاء العقاب خاصة.
ثم أعاد عليه السلام وصيته الأولى، فقال: وإن أشكل عليك شئ من أمر القضاء والقدر، وهو كون الكافر مخصوصا بالنعماء والمؤمن مخصوصا بضرب من الابتلاء، وكون الجزاء قد يكون في المعاد، وقد يكون في غير المعاد، فلا تقدحن جهالتك به في سكون قلبك إلى ما عرفتك جملته، وهو أن الله تعالى هو المحيي المميت، المفني المعيد، المبتلي المعافي، وأن الدنيا بنيت على الابتلاء والانعام، وأنهما لمصالح وأمور يستأثر الله تعالى بعلمها، وأنه يجازي عباده أما في الآخرة أو غير الآخرة، على حسب ما يريده ويختاره.
ثم قال له: إنما خلقت في مبدأ خلقتك جاهلا، فلا تطلبن نفسك غاية من العلم لا وصول لها إليها، أو لها إليها وصول بعد أمور صعبة، ومتاعب شديدة، فمن خلق جاهلا حقيق أن يكون جهله مدة عمره أكثر من علمه استصحابا للأصل.
ثم أراد أن يؤنسه بكلمة استدرك بها إيحاشه، فقال له: وعساك إذا جهلت شيئا من ذلك أن تعلمه فيما بعد، فما أكثر ما تجهل من الأمور وتتحير فيه، ثم تبصره وتعرفه! وهذا من الطب (3) اللطيف، والرقى الناجعة، والسحر الحلال.