عاد ثم عاد فقال: ألا أن همي بنفسي يقتضي اهتمامي بك، لأنك بعضي بل كلي، فإن كان اهتمامي بنفسي يصرفني عن غيري لم تكن أنت داخلا في جملة من يصرفني همي بنفسي عنهم لأنك لست غيري.
فإن قلت: أ فهذا الهم حدث لأمير المؤمنين عليه السلام الان، أو من قبل لم يكن عالما بأن الدنيا مدبرة والآخرة مقبلة؟
قلت: كلا بل لم يزل عالما عارفا بذلك، ولكنه الان تأكد وقوي بطريق علو السن وضعف القوى، وهذا أمر يحصل للانسان على سبيل الايجاب، لا بد من حصوله لكل أحد، وإن كان عالما بالحال من قبل، ولكن ليس العيان كالخبر.
ومن مستحسن ما قيل في هذا المعنى قول أبي إسحاق الصابئ:
أقيك الردى إني تنبهت من كرى * وسهو على طول المدى اعترياني فأثبت شخصا دانيا كان خافيا * على البعد حتى صار نصب عياني هو الاجل المحتوم لي جد جده * وكان يريني غفلة المتواني له نذر قد آذنتني بهجمة * له لست منها آخذا بأمان ولا بد منه ممهلا أو معاجلا * سيأتي فلا يثنيه عني ثان وأول هذه القصيدة وهو داخل له في هذا المعنى أيضا:
إذا ما تعدت بي وسارت محفة * لها أرجل يسعى بها رجلان وما كنت من فرسانها غير أنها * وفت لي لما خانت القدمان نزلت إليها عن سراة حصاني * بحكم مشيب أو فراش حصان (1) فقد حملت مني ابن سبعين سالكا * سبيلا عليها يسلك الثقلان