الأصل:
أما بعد، فإن فيما تبينت من إدبار الدنيا عني، وجموح الدهر علي، وإقبال الآخرة إلي، ما يزعني عن ذكر من سواي، والاهتمام بما ورائي، غير أني حيث تفرد بي دون هموم الناس هم نفسي - فصدقني رأيي، وصرفني عن هواي، وصرح لي محض أمري، فأفضى بي إلى جد لا يكون فيه لعب، وصدق لا يشوبه كذب - وجدتك بعضي، بل وجدتك كلي، حتى كأن شيئا لو أصابك أصابني، وكأن الموت لو أتاك أتاني، فعناني من أمرك ما يعنيني من أمر نفسي، فكتبت إليك كتابي هذا مستظهرا به إن أنا بقيت لك أو فنيت.
الشرح:
يزعني: يكفني ويصدني، وزعت فلانا، ولا بد للناس من وزعة.
وسوى، لفظة تقصر إذا كسرت سينها، وتمد إذا فتحتها، وهي هاهنا بمعنى غير، ومن قبلها بمعنى شئ منكر، كقوله:
رب من أنضجت غيظا قلبه (1) * والتقدير: غير ذكر إنسان سواي، ويجوز أن تكون " من " موصولة، وقد حذف أحد جزأي الصلة، والتقدير عن ذكر الذي هو غيري، كما قالوا في: (لننزعن من كل شيعة أيهم أشد)، أي هو أشد. يقول عليه السلام: إن فيما قد بان لي من تنكر الوقت وإدبار الدنيا، وإقبال الآخرة شاغلا لي عن الاهتمام بأحد غيري، والاهتمام والفكر في أمر الولد وغيره ممن أخلفه ورائي.