واستبهم فتقه، وفقد راتقه، وأظلمت الأرض له، وخشعت الجبال، وأكدت الآمال أضيع بعده الحريم، وهتكت الحرمة، وأذيلت المصونة، وتلك نازلة أعلن بها كتاب الله قبل موته، وأنبأكم بها قبل وفاته، فقال: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين) (1) إيها بنى قيلة! اهتضم تراث أبى، وأنتم بمرأى ومسمع، تبلغكم الدعوة، ويشملكم الصوت، وفيكم العدة والعدد، ولكم الدار والجنن وأنتم نخبة الله التي انتخب، وخيرته التي اختار! باديتم العرب، وبادهتم الأمور، وكافحتم البهم حتى دارت بكم رحى الاسلام، ودر حلبه، وخبت نيران الحرب، وسكنت فورة الشرك، وهدأت دعوة الهرج، واستوثق نظام الدين، أفتأخرتم بعد الاقدام، ونكصتم بعد الشدة وجبنتم بعد الشجاعة، عن قوم نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم! فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون. ألا وقد أرى أن قد أخلدتم إلى الخفض، وركنتم إلى الدعة، فجحدتم الذي وعيتم، وسغتم الذي سوغتم، وإن تكفروا وأنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغنى حميد، الا وقد قلت لكم ما قلت على معرفة منى بالخذلة التي خامرتكم، وخور القناة، وضعف اليقين، فدونكموها فاحتووها مدبرة الظهر، ناقبة الخف، باقية العار، موسومة الشعار، موصولة بنار الله الموقدة، التي تطلع على الأفئدة، فبعين الله ما تعملون (وسيعلم الذي ظلموا أي منقلب ينقلبون).
قال: وحدثني محمد بن زكريا قال: حدثنا محمد بن الضحاك قال: حدثنا هشام بن محمد، عن عوانة بن الحكم قال: لما كلمت فاطمة عليه السلام أبا بكر بما كلمته به حمد أبو بكر الله وأثنى عليه وصلى على رسوله ثم قال: يا خيرة النساء، وابنة خير الاباء، والله ما عدوت رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وما عملت إلا بأمره، وإن الرائد