وتدهن كل يوم، فما عليك لو صمت أياما، وتصدقت ببعض ما عندك محتسبا، وأكلت طعامك مرارا قفارا، فإن ذلك شعار الصالحين! أفتطمع وأنت متمرغ في النعيم، تستأثر به على الجار والمسكين والضعيف والفقير والأرملة واليتيم، أن يحسب لك أجر المتصدقين! وأخبرني أنك تتكلم بكلام الأبرار، وتعمل عمل الخاطئين، فإن كنت تفعل ذلك فنفسك ظلمت، وعملك أحبطت، فتب إلى ربك يصلح لك عملك، واقتصد في أمرك وقدم إلى ربك الفضل ليوم حاجتك، وأدهن غبا، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: (ادهنوا غبا ولا تدهنوا رفها) (1).
فكتب إليه زياد: أما بعد يا أمير المؤمنين، فإن سعدا قدم على فأساء القول والعمل، فانتهرته وزجرته، وكان أهلا لأكثر من ذلك. وأما ما ذكرت من الاسراف واتخاذ الألوان من الطعام والنعم، فإن كان صادقا فأثابه الله ثواب الصالحين، وأن كان كاذبا فوقاه الله أشد عقوبة الكاذبين. وأما قوله: (إني أصف العدل وأخالفه إلى غيره)، فإني إذن من الأخسرين. فخذ يا أمير المؤمنين بمقال قلته في مقام قمته، الدعوى بلا بينه، كالسهم بلا نصل، فإن أتاك بشاهدي، عدل، وإلا تبين لك كذبه وظلمه.
* * * ومن كلام زياد: تأخير جزاء المحسن لؤم، وتعجيل عقوبة المسئ طيش.
وكتب إليه معاوية: أما بعد، فاعزل حريث بن جابر عن العمل، فإني لا أذكر مقاماته بصفين إلا كانت حزازة في صدري، فكتب إليه زياد أما بعد، فخفض عليك يا أمير المؤمنين، فإن حريثا قد سبق شرفا لا يرفعه معه عمل، ولا يضعه معه عزل.