ليس كذلك، ولكن أشكل الامر، والتبس على القوم، وإني لخائف أن يرجع الامر كما بدا، فكيف لامرئ بسلامة دينه! وقد نظرت في أمر الناس فوجدت أحد العاقبتين العافية وسأعمل في أموركم ما تحمدون عاقبته ومغبته، فقد حمدت طاعتكم إن شاء الله ثم نزل.
وكتب جواب الكتاب: أما بعد، فقد وصل كتابك يا معاوية مع المغيرة بن شعبة وفهمت ما فيه، فالحمد لله الذي عرفك الحق، وردك إلى الصلة ولست ممن يجهل معروفا، ولا يغفل حسبا، ولو أردت أن أجيبك بما أوجبته الحجة، واحتمله الجواب، لطال الكتاب، وكثر الخطاب ولكنك إن كنت كتبت كتابك هذا عن عقد صحيح، ونية حسنة، وأردت بذلك برا، فستزرع في قلبي مودة وقبولا، وإن كنت إنما أردت مكيدة ومكرا وفساد نية فإن النفس تأبى ما فيه العطب، ولقد قمت يوم قرأت كتابك مقاما يعبأ به الخطيب المدرة، فتركت من حضر، لا أهل ورد ولا صدر، كالمتحيرين بمهمه ضل بهم الدليل، وأنا على أمثال ذلك قدير، وكتب في أسفل الكتاب:
إذا معشري لم ينصفوني وجدتني * أدافع عنى الضيم ما دمت باقيا وكم معشر أعيت قناتي عليهم * فلاموا وألفوني لدى العزم ماضيا وهم به ضاقت صدور فرجته * وكنت بطبي للرجال مداويا أدافع بالحلم الجهول مكيدة * وأخفى له تحت العضاه الدواهيا فإن تدن منى أدن منك وإن تبن * تجدني إذا لم تدن منى نائيا.
فأعطاه معاوية جميع ما سأله، وكتب إليه بخط يده ما وثق به، فدخل إليه الشام، فقربه وأدناه، وأقره على ولايته، ثم استعمله على العراق.
* * *