وروى علي بن محمد المدائني قال: لما أراد معاوية استلحاق زياد وقد قدم عليه الشام جمع الناس وصعد المنبر، وأصعد زيادا معه فأجلسه بين يديه على المرقاة التي تحت مرقاته، وحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس، إني قد عرفت نسبنا أهل البيت في زياد، فمن كان عنده شهادة فليقم بها. فقام ناس فشهدوا أنه أبن أبي سفيان، وأنهم سمعوا ما أقر به قبل موته، فقام أبو مريم السلولي - وكان خمارا في الجاهلية - فقال: أشهد يا أمير المؤمنين أن أبا سفيان قدم علينا بالطائف، فأتاني فاشتريت له لحما وخمرا وطعاما، فلما أكل قال: يا أبا مريم، أصب لي بغيا، فخرجت فأتيت بسمية، فقلت لها: أن أبا سفيان ممن قد عرفت شرفه وجوده، وقد أمرني أن أصيب له بغيا، فهل لك؟ فقالت:
نعم، يجئ الان عبيد بغنمه - وكان راعيا - فإذا تعشى، ووضع رأسه أتيته. فرجعت إلى أبي سفيان فأعلمته، فلم نلبث أن جاءت تجر ذيلها، فدخلت معه، فلم تزل عنده حتى أصبحت، فقلت له لما انصرفت: كيف رأيت صاحبتك؟ قال: خير صاحبة، لولا ذفر في إبطيها.
فقال زياد من فوق المنبر: يا أبا مريم، لا تشتم أمهات الرجال، فتشتم أمك.
فلما انقضى كلام معاوية ومناشدته قام زياد، وأنصت الناس، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس أن معاوية والشهود قد قالوا ما سمعتم، ولست أدرى حق هذا من باطله! وهو والشهود أعلم بما قالوا، وأنما عبيد أب مبرور، ووال مشكور ثم نزل.
* * * وروى شيخنا أبو عثمان أن زيادا مر وهو والى البصرة بأبي العريان العدوي - وكان شيخا مكفوفا، ذا لسن وعارضة شديده - فقال أبو العريان: ما هذه الجلبة؟ قالوا:
زياد بن أبي سفيان، قال: والله ما ترك أبو سفيان ألا يزيد ومعاوية وعتبة وعنبسة وحنظلة ومحمدا، فمن أين جاء زياد؟ فبلغ الكلام زيادا، وقال له قائل: لو سددت