كتاركة بيضها بالعراء * وملحفة بيض أخرى جناحا.
قد رأيت أن أعطف عليك، ولا أؤاخذك بسوء سعيك، وأن أصل رحمك، وأبتغي الثواب في أمرك، فاعلم أبا المغيرة، أنك لو خضت البحر في طاعة القوم فتضرب بالسيف حتى انقطع متنه لما ازددت منهم إلا بعدا، فإن بنى عبد شمس أبغض إلى بني هاشم من الشفرة إلى الثور الصريع وقد أوثق للذبح، فارجع - رحمك الله - إلى أصلك، واتصل بقومك، ولا تكن كالموصول بريش (1) غيره، فقد أصبحت ضال النسب. ولعمري ما فعل بك ذلك إلا اللجاج، فدعه عنك، فقد أصبحت على بينة من أمرك، ووضوح من حجتك، فإن أحببت جانبي، ووثقت بي، فإمرة بإمرة، وإن كرهت جانبي، ولم تثق بقولي ففعل جميل لا على ولا لي. والسلام.
فرحل المغيرة بالكتاب حتى قدم فارس، فلما رآه زياد قربه وأدناه ولطف به فدفع إليه الكتاب، فجعل يتأمله ويضحك، فلما فرغ من قراءته وضعه تحت قدمه ثم قال: حسبك يا مغيرة! فإني أطلع على ما في ضميرك، وقد قدمت من سفرة بعيدة، فقم وأرح ركابك. قال: أجل فدع عنك اللجاج يرحمك الله، وأرجع إلى قومك، وصل أخاك، وأنظر لنفسك، ولا تقطع رحمك! قال زياد، إني رجل صاحب أناة ولى في أمري روية، فلا تعجل على، ولا تبدأني بشئ حتى أبدأك. ثم جمع الناس بعد يومين أو ثلاثة، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إيها الناس: ادفعوا البلاء ما اندفع عنكم، وارغبوا إلى الله في دوام العافية لكم، فقد نظرت في أمور الناس منذ قتل عثمان، وفكرت فيهم فوجدتهم كالأضاحي، في كل عيد يذبحون، ولقد أفنى هذان اليومان - يوم الجمل وصفين - ما ينيف على مائه ألف، كلهم يزعم أنه طالب حق، وتابع أمام، وعلى بصيرة من أمره، فإن كان الامر هكذا فالقاتل والمقتول في الجنة، كلا