رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال: يا أسماء، أين بنو جعفر؟ فجئت بهم إليه، فضمهم وشمهم، ثم ذرفت عيناه، فبكى، فقلت: يا رسول الله، لعله بلغك عن جعفر شئ! قال: نعم، إنه قتل اليوم، فقمت أصيح، واجتمع إلى النساء، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
يا أسماء، لا تقولي هجرا، ولا تضربي صدرا، ثم خرج حتى دخل على ابنته فاطمة رضي الله عنها ، وهي تقول: وا عماه! فقال: على مثل جعفر فلتبك الباكية. ثم قال: اصنعوا لآل جعفر طعاما، فقد شغلوا عن أنفسهم اليوم.
قال الواقدي: وحدثني محمد بن مسلم، عن يحيى بن أبي يعلى، قال: سمعت عبد الله بن جعفر يقول: أنا أحفظ حين دخل النبي صلى الله عليه وآله على أمي، فنعى إليها أبى، فأنظر إليه وهو يمسح على رأسي ورأس أخي، وعيناه تهراقان بالدمع حتى قطرت لحيته، ثم قال: اللهم إن جعفرا قدم إلى أحسن الثواب، فاخلفه في ذريته بأحسن ما خلفت أحدا من عبادك في ذريته، ثم قال: يا أسماء، ألا أبشرك؟ قالت: بلى بأبي وأمي. قال:
فإن الله جعل لجعفر جناحين يطير بهما في الجنة، قالت: بأبي وأمي، فأعلم الناس ذلك!
فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وأخذ بيدي يمسح بيده رأسي حتى رقي على المنبر وأجلسني أمامه على الدرجة السفلى، وإن الحزن ليعرف عليه، فتكلم فقال: إن المرء كثير بأخيه وابن عمه، ألا إن جعفرا قد استشهد وقد جعل الله له جناحين يطير بهما في الجنة. ثم نزل، فدخل بيته وأدخلني، وأمر بطعام فصنع لنا، وأرسل إلى أخي فتغدينا عنده غداء طيبا، عمدت سلمى خادمته إلى شعير فطحنته، ثم نشفته، ثم أنضجته وآدمته بزيت، وجعلت عليه فلفلا، فتغديت أنا وأخي معه، وأقمنا عنده ثلاثة أيام ندور معه في بيوت نسائه، ثم أرجعنا إلى بيتنا، وأتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك وأنا أساوم في شاة، فقال اللهم بارك له في صفقته، فوالله ما بعت شيئا ولا اشتريت إلا بورك فيه.