حتى قتل، فلما قتل انهزم المسلمون أسوأ هزيمة كانت في كل وجه، ثم تراجعوا، فأخذ اللواء ثابت بن أرقم، وجعل يصيح بالأنصار، فثاب إليه منهم قليل، فقال لخالد بن الوليد: خذ اللواء يا أبا سليمان، قال خالد: لا بل خذه أنت فلك سن، وقد شهدت بدرا. قال ثابت: خذه أيها الرجل، فوالله ما أخذته إلا لك. فأخذه خالد وحمل به ساعة، وجعل المشركون يحملون عليه حتى دهمه منهم بشر كثير، فانحاز بالمسلمين، وانكشفوا راجعين.
قال الواقدي: وقد روي أن خالدا ثبت بالناس فلم ينهزموا، والصحيح أن خالدا انهزم بالناس.
قال الواقدي: حدثني محمد بن صالح، عن عاصم بن عمر بن قتادة، أن النبي صلى الله عليه وآله لما التقى الناس بمؤتة جلس على المنبر، وكشف له ما بينه وبين الشام، فهو ينظر إلى معركتهم، فقال أخذ الراية زيد بن حارثة، فجاءه الشيطان فحبب إليه الحياة، وكره إليه الموت، وحبب إليه الدنيا، فقال: الان حين استحكم الايمان في قلوب المؤمنين تحبب إلي الدنيا! فمضى قدما حتى استشهد، ثم صلى عليه، وقال: استغفروا له فقد دخل الجنة وهو يسعى، ثم أخذ الراية جعفر بن أبي طالب، فجاءه الشيطان فمناه الحياة وكره إليه الموت، ومناه الدنيا، فقال: الان حين استحكم الايمان في قلوب المؤمنين تتمنى الدنيا! ثم مضى قدما حتى استشهد فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وآله ودعا له، ثم قال: استغفروا لأخيكم فإنه شهيد قد دخل الجنة، فهو يطير فيها بجناحين من ياقوت حيث شاء. ثم قال: أخذ الراية عبد الله بن رواحة، ثم دخل معترضا فشق ذلك على الأنصار، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أصابته الجراح. قيل يا رسول الله، فما اعتراضه؟ قال: لما أصابته الجراح نكل فعاتب نفسه فشجع فاستشهد، فدخل الجنة فسرى عن قومه.