المسير وعقد رسول الله صلى الله عليه وآله لهم اللواء بيده دفعه إلى زيد بن حارثة، وهو لواء أبيض، ومشى الناس إلى أمراء رسول الله صلى الله عليه وآله يودعونهم ويدعون لهم وكانوا ثلاثة آلاف، فلما ساروا في معسكرهم ناداهم المسلمون: دفع الله عنكم، وردكم صالحين سالمين غانمين، فقال عبد الله بن رواحة:
لكنني أسأل الرحمن مغفرة * وضربة ذات فرغ تقذف الزبدا (1) أو طعنة بيدي حران مجهزة * بحربة تنفذ الأحشاء والكبدا (2) حتى يقولوا إذا مروا على جدثي * يا أرشد الله من غاز فقد رشدا (3) قلت: اتفق المحدثون على أن زيد بن حارثة كان هو الأمير الأول، وأنكرت الشيعة ذلك، وقالوا كان جعفر بن أبي طالب هو الأمير الأول، فإن قتل فزيد بن حارثة، فإن قتل فعبد الله بن رواحة، ورووا في ذلك روايات، وقد وجدت في الاشعار التي ذكرها محمد بن إسحاق في كتاب المغازي ما يشهد لقولهم، فمن ذلك ما رواه عن حسان بن ثابت وهو:
تأوبني ليل بيثرب أعسر * وهم إذا ما نوم الناس مسهر (4) لذكرى حبيب هيجت لي عبرة * سفوحا وأسباب البكاء التذكر بلى إن فقدان الحبيب بلية (5) * وكم من كريم يبتلى ثم يصبر!
فلا يبعدن الله قتلى تتابعوا * بمؤتة منهم ذو الجناحين جعفر وزيد وعبد الله حين تتابعوا * جميعا وأسياف المنية تخطر