شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ١٥ - الصفحة ١٧٨
حرمها الله وأثبت بها من قربى قد أبعدها الله، ما لم يدخل الدين خلل مثله، ولم ينل الاسلام تبديل يشبهه.
ومن ذلك إيثاره لخلافة الله على عباده ابنه يزيد السكير الخمير صاحب الديكة والفهود والقردة، وأخذ البيعة له على خيار المسلمين بالقهر والسطوة والتوعد والإخافة، والتهديد والرهبة، وهو يعلم سفهه، ويطلع على رهقه وخبثه، ويعاين سكراته وفعلاته، وفجوره وكفره، فلما تمكن - قاتله الله - فيما تمكن منه، طلب بثارات المشركين وطوائلهم عند المسلمين، فأوقع بأهل المدينة في وقعة الحرة الوقعة التي لم يكن في الاسلام أشنع منها ولا أفحش، فشفى عند نفسه غليله، وظن أنه قد انتقم من أولياء الله، وبلغ الثأر لأعداء الله فقال مجاهرا بكفره، ومظهرا لشركه:
ليت أشياخي ببدر شهدوا * جزع الخزرج من وقع الأسل (1) قول (2) من لا يرجع إلى الله ولا إلى دينه ولا إلى رسوله ولا إلى كتابه، ولا يؤمن بالله وبما جاء من عنده.
ثم أغلظ ما انتهك، وأعظم ما اجترم، سفكه دم الحسين بن علي عليه السلام، مع موقعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومكانه ومنزلته من الدين والفضل والشهادة له ولأخيه بسيادة شباب أهل الجنة، اجتراء على الله وكفرا بدينه، وعداوة لرسوله، ومجاهرة لعترته، واستهانة لحرمته، كأنما يقتل منه ومن أهل بيته قوما من كفرة الترك

(1) لعبد الله بن الزبعرى، من كلمته يوم أحد، سيرة ابن هشام 3: 96 وبعده في الطبري:
قد قتلنا القوم من ساداتكم * وعدلنا ميل بدر فاعتدل فأهلوا واستهلوا فرحا * ثم قالوا يا يزيد لا تسل لست من خندف إن لم أنتقم * من بني أحمد ما كان فعل لعنت هاشم بالملك فلا * خبر جاء ولا وحي نزل (2) الطبري: هذا هو المروق من الدين وقول من لا يرجع... ".
(١٧٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 173 174 175 176 177 178 179 180 181 182 183 ... » »»
الفهرست