ونصح لهم وأرشدهم، فكان من استجاب له، وصدق قوله، واتبع أمره نفير (1) يسير من بني أبيه، من بين مؤمن بما أتى به من ربه، وناصر لكلمته وإن لم يتبع دينه إعزازا له، وإشفاقا عليه، فمؤمنهم مجاهد ببصيرته، وكافرهم مجاهد بنصرته وحميته، يدفعون من نابذه، ويقهرون من عازه وعانده، ويتوثقون له ممن كانفه وعاضده، ويبايعون من سمح بنصرته، ويتجسسون أخبار أعدائه، ويكيدون له بظهر الغيب كما يكيدون له برأي العين، حتى بلغ المدى، وحان وقت الاهتداء، فدخلوا في دين الله وطاعته وتصديق رسوله والايمان به بأثبت بصيرة، وأحسن هدى ورغبة، فجعلهم الله أهل بيت الرحمة، وأهل بيت الدين، أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. معدن الحكمة، وورثة النبوة، وموضع الخلافة. أوجب الله لهم الفضيلة، وألزم العباد لهم الطاعة.
وكان ممن عانده وكذبه وحاربه من عشيرته العدد الكثير والسواد الأعظم، يتلقونه بالضرر والتثريب (2)، ويقصدونه بالأذى والتخويف، وينابذونه بالعداوة، وينصبون له المحاربة ويصدون من قصده، وينالون بالتعذيب من اتبعه، وكان أشدهم في ذلك عداوة، وأعظمهم له مخالفة، أولهم في كل حرب ومناصبة، ورأسهم في كل إجلاب وفتنة، لا يرفع على الاسلام راية، إلا كان صاحبها وقائدها ورئيسها، أبا سفيان بن حرب صاحب أحد والخندق وغيرهما، وأشياعه من بنى أمية الملعونين في كتاب الله، ثم الملعونين على لسان رسول الله صلى الله عليه وآله في مواطن عدة، لسابق علم الله فيهم، وماضي حكمه في أمرهم، وكفرهم ونفاقهم. فلم يزل لعنه الله يحارب مجاهدا، ويدافع مكايدا، ويجلب منابذا، حتى قهره السيف، وعلا أمر الله وهم كارهون، فتعوذ بالاسلام غير منطو عليه، وأسر الكفر غير مقلع عنه، فقبله وقبل ولده على علم منه بحاله وحالهم. ثم أنزل الله