ألسنة، وأثبت حجة منهم اليوم. فأمسك المعتضد فلم يرد إليه جوابا، ولم يأمر بعد ذلك في الكتاب بشئ. وكان من جملة الكتاب بعد أن قدم حمد الله والثناء عليه والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله:
أما بعد، فقد انتهى إلى أمير المؤمنين ما عليه جماعة العامة من شبهة قد دخلتهم في أديانهم، وفساد قد لحقهم في معتقدهم، وعصبية قد غلبت عليها أهواؤهم، ونطقت بها ألسنتهم، على غير معرفة ولا روية، قد قلدوا فيها قادة الضلالة بلا بينة ولا بصيرة، وخالفوا السنن المتبعة، إلى الأهواء المبتدعة، قال الله تعالى: (ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين (١)). خروجا عن الجماعة، ومسارعة إلى الفتنة، وإيثارا للفرقة، وتشتيتا للكلمة، وإظهارا لموالاة من قطع الله عنه الموالاة، وبتر منه العصمة، وأخرجه من الملة، وأوجب عليه اللعنة، وتعظيما لمن صغر الله حقه، وأوهن أمره، وأضعف ركنه، من بنى أمية الشجرة الملعونة، ومخالفة لمن استنقذهم الله به من الهلكة، وأسبغ عليهم به النعمة من أهل بيت البركة والرحمة، ﴿والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم﴾ (2).
فأعظم أمير المؤمنين ما انتهى إليه من ذلك، ورأي (3) ترك إنكاره حرجا عليه في الدين، وفسادا لمن قلده الله أمره من المسلمين، وإهمالا لما أوجبه الله عليه من تقويم المخالفين، وتبصير الجاهلين، وإقامة الحجة على الشاكين، وبسط اليد على المعاندين (4)! وأمير المؤمنين يخبركم معاشر المسلمين أن الله جل ثناؤه لما ابتعث محمدا صلى الله عليه وسلم بدينه، وأمره أن يصدع بأمره، بدأ بأهله وعشيرته فدعاهم إلى ربه، وأنذرهم وبشرهم،